نستذكر تاريخنا ونعتز كثيراً ببداياته المرهقة والمتعبة والنضالية. نسترجع ماضينا فلا نجد سوى جوعه، وفاقته، وشظف عيشه، ومعاناتنا مع الفقر " ومن صاد الجراده شواها "، ومطارداتنا لكائنات الصحراء نسد بها أفواه أطفالنا المفتوحة لكل ما يُسكت جوعها، نسترجع ذلك ونعتز ونتيه فخراً، ونمتلئ شموخاً لأنه ماض لاننكره، ولا نسقطه من الذاكرة، ولا نتنصل منه، ولا هو يعيبنا أو يُنقص من قيمتنا الأخلاقية، وإرثنا الحضاري، ودورنا في التأثير الأممي، ولا يحبطنا أو يهزمنا فنكون على استحياء ودونية حين نفكر في استشرافاتنا المستقبلية، وصياغة وعي أجيالنا، وصناعة التنمية الشاملة لوطننا، أو يصيبنا نوع من الارتباك والخوف من اقتحام العصر بأدواته المعرفية والثقافية وأنماط منتجه الحضاري، ونتماهى مع هذه الصحراء التي منحتنا الأخلاقيات المتفوقة، والقيم العربية الأصيلة، وعلمتنا كيف نكون فرساناً نواجه مصائرنا، ونصنع أقدارنا بكثير من الصبر، والأخلاق، وعنفوان الانتماء والولاء، ونسير حفاة جياعاً نفترش التراب ونتوسّد " القتاد " ونلتحف السماء، لنقيم أكبر وأروع وأنجح وحدة في التاريخ العربي المعاصر، ونلمّ شتات الإنسان في كيان واحد معجوناً بالحب، منصهراً في نسيج متكافئ، منتجاً في فضاء أمني مبهج محفز على العطاء والخلق والإبداع وممارسة الهوية التي بدأ صناعة كيانها وجغرافيتها وامتداداتها بإيمانات راسخة وعميقة بالأرض، والإرث، والمستقبلات. فقراء وجياعاً كنا .. ولافخر. لم يكن لدينا تعليم نظامي، أو مستشفى، أو حتى طريق " مسفلت " قبل سبعين عاماً .. ولافخر . كان طعامنا التمر واللبَن نحلبه مباشرة من الماعز والبقر.. ولافخر . كنا كذلك ، وأكثر من ذلك أيها " الولد المدلل " سيادة الرئيس بشار الأسد، لا نخفيه، ولا نستعيب منه، ولا نحاول أن نقفز عليه أو نتنكر له، أو نرفضه من ذاكرتنا الجمعية، أو مناهجنا الدراسية، كما اختصرت الجغرافيا السورية والإنسان السوري العظيم في مسمى " سوريا الأسد " . يعيّرنا بشار الأسد بأننا نشأنا فقراء معدمين جياعاً. ويعتبر ذلك منقصة تنال من عروبتنا، ومسبّة تلحق بنا العار الأبدي الذي يمنحنا الدونية بين العالم، ويعيق تطلعاتنا نحو الحياة والبناء، ويحبطنا عن ممارسة أدوار انتزعناها بمخزون أخلاقي متفوق، وثوابت عروبية وإسلامية لا تستخدم للمزايدات، أو نبتغي منها الابتزاز، وهو بسلوكه هذا وما ساقه من أوصاف يذكّرنا بالمقولة الشهيرة " ما أبلغ العاهرة حينما تحاضر في العفاف ". في مقابلة لبشار الأسد مع مجلة " الأهرام العربي " الأسبوعية المصرية قال عن المملكة " ... أولئك (السعودية وقطر) ظهرت الثروة عندهم فجأة بعد طول فقر وجوع، وهم يتصورون أن بإمكان أموالهم شراء الجغرافيا والتاريخ والدور الإقليمي ، والسعوديون وراء العدوان على مصر في العام 67..." . هذا كلام يصدر من كائن يمارس قتل شعبه ويقصفهم بالطائرات المقاتلة، ويحرق الأرض بما فيها ومن عليها وما عليها، ليبقى الصنم الأوحد في قصر " المتاجرين " !! . الفقراء الجياع يحتفلون اليوم بيومهم الوطني ويقدمون أنفسهم للعالم منجز نماء ونمو مساهمين في صناعة الحضارة الإنسانية، ينشرون الحب والسلام ، ويعززون دورهم الإقليمي والدولي..