يواصل معرض الرياض الدولي للكتاب حضوره النوعي هذا العام تاركًا - بتوجهات زوّاره - عددا من الانطباعات التحليلية لمدى انعكاس أثره على المدى البعيد.. فمنذ أن انفتح المجتمع على الكتاب من خلال دورات المعرض السابقة وهو يشهد تطوّرا ملحوظا في نوعية المقروء لدينا.. فبعد موجة تمثّلت باندفاع كبير نحو الكتب التي ترتفع سقف حريتها ويُشاع منعها أو حجبها أو حتى إخفائها عن عيون الرقيب.. ويدعي بعض مؤلفيها أنها آيلة للسحب من المعرض، بدأ المجتمع على ما يبدو في دورة هذا العام يعي ما يريده منه تماما، ويتجه إليه بنوايا مسبقة، وبات كثير من المؤلفين يدركون هذه النقلة النوعية لدى زوّار المعرض، فلم نسمع في أروقة المعرض حتى اليوم من يدّعي أن إصداره قد يُسحب أو يحجب أو يخبّأ، لسبب أو لآخر بل إن الأمر يشهد احتراما وتقديرا متبادلا بين المبدع وقارئه فالمبدع بات يدرك جيدا أن زائر المعرض لم يعد ينشغل بإثارة الكتابة حين انصرف لأثرها، وبدا الأمر بالنسبة لجل زوار المعرض وكأنه مباشرة نوعية للكتاب بعد أن اعتاد عليه المجتمع وكسر حاجز الغربة الذي ظلَّ يسكنه سنوات طويلة قبل أن يظفر بالكتاب القادر والنادر في آنٍ واحد. الكتب المتشابهة.. تمرير للضوء يأخذ كثير من المراقبين على المبدعين الجدد تشابه كتاباتهم واستسهالها للإبداع أحيانا حيث حملت كثير من الإصدارات المتشابهة نصوص منثورة على شبكات الانترنت لا تقع تحت تصنيف أدبي يمكن تدارسه أو تحليله، وإنما جاءت في بنيتها على شكل كتابات متناثرة تتماهى مع طبيعة النشر الالكتروني المرتهن للحظة وانفعالاتها في أكثر الأحيان.. وكل ما يحدث هو أن يتم جمعها في كتاب أو أكثر ثم تتكاثر مع كل دورة من دورات المعرض ويحظى أصحابها غالبا بإخوانيات كثيرة ليس أولها الحشد " الاجتماعي" في مواقع التواصل لحفلات التوقيع واقتناء الكتاب من باب المشاركة والعلاقات الاجتماعية الصرفة، وليس آخرها استثمار كثير من دور النشر لهذا الحشد "الاجتماعي الهش" تجاريا وتصدير إصدارات أقل ما يمكن أن توصف به بأنها محبطة جدا لقياس حركة الإبداع لدينا...مثل هذه الإصدارات للأسف الشديد تستهدف "الشو الفارغ" من خلال مايقدمه المعرض من مساحة شاسعة من الضوء والمتابعة، لكنها في ذمة التاريخ ليست إلا كتابا تبدأ صفحاته في منصة التوقيع وتنتهي عليها! الإيجابيون فيناً.. من وراء كتاب يحيط بك الأصدقاء ويأخذونك إلى حضورك في أرواحهم.. هناك أصدقاء إيجابيون يتفاعلون بأناقة مع عطاء المبدعين.. الصديق مؤسس شبكة النايفات الأدبية على شبكة الانترنت والقائم عليها والناشط الثقافي وعضو المجلس التراثي الأستاذ محسن الراضي.. أخذ يراقب حركة النتاج الأدبي.. ثم آثر أن يحتفي بالمبدعين على طريقته الخاصة فأعدّ دروعًا تكريمية ل ثمانية وسبعين مبدعا ومبدعة أصدروا نتاجاتهم متزامنة مع معرض هذا العام، حضر توقيعات بعضهم وقام بتكريمهم على منصات التوقيع وأوصل تهنئته (درعا تكريميا وتوثيقيا) لمن لم يوقع كتابه في منصات التوقيع.. وهي التفاتة لاقت استحسان كثير من المثقفين فما جزاء الإبداع إلا الاحتفاء به كل على طريقته الخاصة والإيجابيون فقط هم من يفترضون طريقتهم بأناقة وصدق. الأطفال يواصلون الحضور القارئ يختطف الأطفال المشهد العام في المعرض حين يندغمون مع اللحظة ويستشعرون وقار الكتاب.. يحملون الكتب عن آبائهم ويأخذونهم لأغلفةٍ تشبهم، تستثمرهم جهات عدة لتقديم الكتاب بوصفه حياة وقيمة حضارية نتعايش معها، وهم بذلك كما يرى كثير من مراقبي حركة المعرض قد لا يدركون حجم ماحولهم من معرفة، ولا مايحيط بهم من تجارب وعقول وحضارات متراتبة، لكنهم حتما ينشؤون على كل ذلك كقيمة حياتية، بل موعدٍ مع الكتاب في كل عام تقبض عليه الذاكرة، وتثرثر به الطفولة!