تباينت آراء عدد من الأدباء والكتاب السعوديين والعرب حول تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على الأدب العربي، ففي حين أيدها البعض بقوة ورأى فيها وسيلة حديثة لخدمة المبدع العربي وأنسنته، رأى البعض الآخر أن تلك المواقع على الرغم من تأثيرها الإيجابي في الحركة الأدبية العربية إلا أنه لا بد من عدم إغفال تأثيرها السلبي الواضح على المشهد الأدبي برمته، خصوصا إذا تجاهلنا بعض جوانب القصور التي تصاحب عملية التعامل مع تلك المواقع. بداية يصف القاص خالد اليوسف مواقع التواصل الاجتماعي بأنها أثرت في المشهد الأدبي إيجابا، مشيرا إلى أنه من خلال تعامله ودخوله إلى عمق الفيس بوك بصورة خاصة أن هذه الخدمة الرائعة -على حد وصفه- خدمت وأعانت الكثيرين الذين استطاعوا عبرها إيجاد جسور رائعة وجميلة مع الآخرين. وقال اليوسف كان لصفحات نادي القصة السعودي التي أسستها قبل عام من الآن تواصل شدني وأكد لي أهمية إنشاء هذه الصفحات المعنية بالقصة القصيرة؛ نصا وأخبارا ونشاطا على مستوى عربي وليس محليا فقط، وتزايد عدد المشاركين والزائرين والمتفاعلين والراغبين للصداقة على الرغم من تشددي في ضم العضوية لأن رغبتي ألا يكون الأصدقاء إلا من لديه الرغبة الحقيقية في قراءة وتتبع القصة القصيرة والرواية. من هذا الواقع المبهج أرى أن هذه المواقع لها إيجابيات بحسب من يوجهها ويسير مسارها وخطوط إنتاجها. في حين قال الناقد عبدالله الصمطي: لقد أثرت مواقع التواصل الاجتماعي في المشهد الأدبي العربي تأثيرا كبيرا تتعلق بالإعلام والانتشار حيث أسهمت هذه المواقع في التعريف بالإنتاج الإبداعي لمختلف الأجيال خاصة الأجيال الشابة الجديدة من ناحية التكثيف الشديد والتجريب وعنونة الفقرات القصيرة بعناوين أكثر تماسا مع تفاصيل الحياة اليومية. أما الكاتبة الكويتية حياة الياقوت رئيسة تحرير دار ناشري للنشر الإلكتروني فتؤكد أنه لا يمكن أن نفصل الحركة الأدبية عن بقية مناحي الحياة، «الأديب مكانه حقل الحياة، الفيلسوف هو الذي يسكن البروج العاجية». وتضيف قائلة: ما أحدثته مواقع التواصل الاجتماعي كان عظيما ويحبس الأنفاس. كل هذه السهولة والفورية في التواصل، في التعبير، كونت روحا جديدة لدى الفرد العربي. من ناحية إيجابية، أتاح هذا للأدباء أن يتواصلوا مع بعضهم ومع الجمهور بشكل أفقي (زاد جمهورهم) وبشكل رأسي (باتت العلاقات أعمق مع الجمهور). كل هذا أخرج الأديب من الصورة النمطية المغلوطة، وسائل التواصل الاجتماعي «أنسنت» الأديب إذا جاز التعبير، فبعدما كان كائنا مزاجيا غريب الأطوار يسكن الأبراج العاجية، اكتشف الناس جانبه اللين، جانبه الذي يشبههم جدا. ومن جانب آخر، هذا أتاح الانتشار لأدباء مغمورين، زاد من رقعة الجمهور الجغرافية للأدباء، والأهم من هذا كله هو أن عمليات التقييم والنقد باتت على أشدها في عالم الوسائط هذا. فنجد موقعا مثل Goodreads يمكن القراء من وضع تقويماتهم وآرائهم في الكتب بكل شفافية وصراحة، دون أن يملك الأديب أو الناشر أو أساطين الإعلام التدخل لتلميع أديب، أو لإطفاء جذوة آخر. ويقول الكاتب المغربي سعيد فردي: فتحت مواقع التواصل الاجتماعي المجال على مصراعيه للنشر والترويج لما يكتب في مجال الأدب العربي (الأدب بين قوسين)، على امتداد رقعة الوطن العربي. فالعديد من الكتاب العرب، سواء منهم الكتاب الشباب أو الكتاب ذوو التجربة والخبرة الطويلة في الإبداع الأدبي بمختلف أنواعه وأجناسه، وجدوا ضالتهم ومتنفسهم في هذه المواقع الاجتماعية للتعريف بإبداعاتهم وبإنتاجاتهم الأدبية في الشعر والرواية والقصة والمسرح والمقالة الأدبية.. ولعل حرية النشر وخاصية السرعة في الانجاز والترويج الواسع إلكترونيا للأدب العربي كانت من إيجابيات هذه المواقع الاجتماعية. وكسرت هذه الأخيرة بذلك كل الحواجز والبيروقراطية والنخبوية في عملية النشر الأدبي التي كانت سائدة مع هيمنة النشر الورقي، وأصبح النشر والترويج للمادة الأدبية على نطاق واسع لا يعترف بالحدود الجغرافية والزمانية. بدورها قالت الروائية والمدونة البحرينية ليلى المطوع ان مواقع التواصل الاجتماعي تلعب دورا كبيرا في انتشار الأدب وتعريف القراء على أدباء بعيدين عن الإعلام المعروف، كما أنها تشجع الشباب على القراءة، فتجد في تويتر صالون الجمعة الذي يضم القراء من مختلف بقاع العالم الذي يهدف إلى القراءة الجماعية ومناقشة الأدب الموجود في الساحة وكذلك أصدقاء القراءة الذي ساهم وبشكل ملحوظ في مساعدة القارئ الجديد في اختيار الكتب وإرشاده إلى أماكن توافر الإصدارات التي يريد شراؤها وتبادل الآراء مما ساهم في زيادة عدد القراء بشكل ملحوظ في الفترة الأخيرة. وأضافت: كما ان هذه المواقع عززت العلاقة بين الكاتب والقارئ فأصبح بإمكان القارئ التواصل مع الكاتب شخصيا وكذلك تفيد الكاتب في نشر نصوصه، وأجد في الفترة الأخيرة من يقوم بجمع تغريداته وإصدارها في كتاب مطبوع. وفي السياق ذاته قالت الروائية والمدونة الإماراتية تهاني الهاشمي: أنا مؤمنة جدا بأن لكل وسيلة تكنولوجية حديثة وجهين من الايجابيات والسلبيات، كذلك جاءت وسائل التواصل الاجتماعي التي ذاع صيتها سريعا وتم تداولها كما هو حاصل الآن بصورة غير حضارية وذلك لعدم الوعي الكافي والادراك الملم بمدى خطورة استعمالها بالطريقة المسيئة للذات أولا ومن ثم ينعكس على سائر أفراد المجتمع سلبا. وتستدرك الهاشمي: لكن ما زال إيماني قويا بأن التكنولوجيا تم اختراعها لخدمة البشرية وتلك الخدمة لا بد أن تكون في إطار ايجابي سليم لذلك كان تواجد المفكرين والأدباء والمشاهير من خلال هذه الشبكات مثريا وملهما لأنهم يقومون بضخ أفكارهم البناءة والمثمرة لعقولنا الصغيرة وهذا ما نحتاجه بشدة. وترى القاصة السعودية شيمة الشمري أن مواقع التواصل الاجتماعي لها فوائد كثيرة في التلقي والتواصل والنشر ووصول الكلمة إلى أكبر شريحة ممكنة، هذه الكلمة التي تمثل كاتبها ودينه وثقافته وحضارته لذا ليتنا نحرص على أناقتها وجمالها. وتضيف: هذه المواقع سهلت أمورا كثيرة منها ربط الأدباء والكتاب وتواصلهم على اختلاف مواقعهم ومجتمعاتهم وجعلتهم وكأنهم في بيت واحد يتناقشون ويتبادلون ما تجود به أفكارهم وأقلامهم الأدبية. وتستطرد: ولا شك أن هناك من يخطئ في استخدام هذه المواقع، وهناك من يحسن ذلك كل بحسب شخصيته وما يريد.. ومن ناحية تسهيل انتشار الأدب والكلمة وتواصل الأدباء نعم، ولكن هذه المواقع سهلت وانتقصت شأن الكتابة والأدب، فنرى الكل يكتب ويصنف ما يكتب ويؤخذ تصنيفه كما ذكره الكاتب، فمنذ مدة قرأت في جريدة ما قصصا قصيرة جدا لكتاب من الفيس بوك وتويتر وللحقيقة هي لا تمت للقصة بصلة مجرد جمل وكلمات، وهنا تدخل المجاملات وعدم العلم والدراية بهذا اللون الأدبي مما يضر به وبكاتبه.. هذه المواقع أدخلت العالم كله في دائرة الكتابة واستسهال الكتابة والنشر، وقد لاحظت أن هذا الاستسهال طال حتى دور النشر والأندية الأدبية، فنقرأ ما لا يستحق النشر ولا القراءة وهذا كله مؤثر جدا في الثقافة والأدب والحضارة ومؤشر تقهقر وتردي للنتاج الأدبي. وفي السياق ذاته تؤكد الكاتبة والروائية السعودية زينب البحراني أن وسائل التواصل الاجتماعي الإلكترونية قلبت موازين العديد من تفاصيل حياتنا البشرية على مختلف الأصعدة، ولم تقصر في هيمنتها الإعلامية على المتلقي بما تقدمه من نماذج جذابة وسرعة في التفاعل الحي، وتضيف: من هذه الناحية نجد أن تلك المواقع خدمت الأدب والأدباء إلى حد كبير، إذ صار بإمكان الأدباء نشر مقاطع من نصوصهم الشعرية أو القصصية لتصلهم ردود أفعال القراء الفورية عليها، وصار بإمكانهم الإعلان عن إصداراتهم المطبوعة بطريقة راقية تحترم الإصدار ومؤلفه، كما وسعت من رقعة التعارف بين الأدباء من مختلف أقطار الوطن العربي الكبير وبلدان المهجر البعيدة، إضافة إلى أنها منحت الأقلام الأدبية الشابة الموهوبة والمجتهدة فرصة الإفصاح عن ذواتها لتكتشفها وسائل الإعلام التقليدية. بدوره أشار القاص علوان السهيمي إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي عملت على انتشار المعلومة تجاه الأدب والإبداع، لكنها لم تكرس مفهوم القراءة في نفوس الآخرين، فلم يكن تأثيرها على الإبداع كبيرا من ناحية تعزيز قيمة القراءة، بقدر ما روجت للعناوين، وجعلتها في متناول الأعين، فالتعاطي مع الإبداع ما زال في أزمة في نفس القارئ العربي وسيستمر لتدني مستوى الوعي لدى الفرد العربي، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن مواقع التواصل الاجتماعي تحمل خطورة لم يفطن لها الكثير من المبدعين، وهي استهلاك اللحظة الكتابية في التغريدة أو الثرثرة، وبالتالي احتراق لحظة الكتابة داخل المبدع، فينبغي على المبدعين التنبه لمثل هذه المسألة الخطيرة، فهي تقوم بحرب باردة تجاه المبدع وهو لا يعلم. من جهته، قال الكاتب الإماراتي محمد خميس إن مواقع التواصل الاجتماعي فتحت أعين الكثيرين على روعة الأدب، وأبهرت الجيل الجديد خاصة، بسحر اللغة، وبفضلها تعرف الكثيرين على أسماء أدباء عظام، وأعمال لم يكونوا قد سمعوا بها من قبل، وبسببها أيضا انتشرت وتداول مستخدميها اقتباسات أدبية، حفزتهم على الإتيان بمثلها، بيد انه يأخذ عليها، الاختصار الشديد لدرجة فقدان أعظم الأعمال عمقها.