نبرة التواضع في لغة المبدع هي إحدى السمات التي تشدُّني إليه وإلى أعماله بقوة، فكثيرًا ما تأتي لغة المبدعين الكبار في حواراتهم وكتاباتهم جميلة ومُحمَّلة بعبارات بعيدة كُل البُعد عن النرجسية وتضخيم الذات، ومن العبارات التي لفتت نظري عبارات قالها الأديب العالمي بورخيس (ت 1989م) مُتحدثًا عن قيمة كتاباته –التي يتفق الكثيرون على تميزها- بتواضع جم يندر أن نجده في حديث معظم الكتاب الصغار عندما تُتاح لهم أي فرصة للحديث عن أعمالهم. يقول بورخيس: "إنني أعتبر نفسي قارئًا في الأساس، وقد تجرأت كما تعرفون على الكتابة. ولكنني أظن أن ما قرأته أهم بكثير مما كتبته، فالمرء يقرأ ما يرغب فيه، لكنه لا يكتب ما يرغب فيه، إنما ما يستطيعه". هذه العبارات الرائعة درسٌ مجاني للكتاب والشعراء الذين يتحدثون بفخر مفرط عن أعمالهم وإصداراتهم التي لم يكن لها أدنى تأثير، فكثير من الإصدارات التي يتسابق أصحابها لتوقيعها في كل مناسبة ويُسوَّق لها كأعمال عظيمة لا تخلو مادتها من دهشة الإبداع فحسب، بل تكون عاجزة عن استثارة أي مشاعر إيجابية لدى القراء، ولعل انحدار مستوى الإصدارات وما تتضمنه من إنتاج هزيل هو ما أغرى من لا ينتمون لميدان الأدب لخوض غمار المنافسة والمبادرة بنشر رواياتهم ومجموعاتهم القصصية والشعرية التي لا تزيد قيمتها بأي حال من الأحوال على قيمة الكلام العادي. الرغبة في التعبير كتابةً رغبة مشروعة لأي إنسان، ولكن كم هو رائع أن تُصاحب هذه الرغبة رغبةٌ مُضاعفة في كتابة ما هو مميز ومختلف عن كتابات الآخرين، لاسيما حين يتعلق الأمر بالكتابة الإبداعية التي يَنشُد مبدعوها الخلود. وثمة شواهد عديدة لمبدعين كبار يصرحون وبكل وضوح وتواضع عن قصور مواهبهم عن ممارسة الكتابة في أشكال وأجناس أدبية يُطالبون بالكتابة فيها، فعندما سئل ابن المقفع (ت 142ه) عن عدم نظمه للشعر لم يتحرج في القول بأن: "الذي أرضاه لا يجيئني، والذي يجيئني لا أرضاه". أما اليوم فلا يكتفي أصحاب المواهب الضعيفة والعادية بالإصرار على نشر كتاباتهم في وسائل الإعلام المختلفة، بل ويملكون كل الجرأة لتسجيل حضورهم –الذي يُشابه الغياب- بإصدارات تنافس بعضها في الرداءة والقبح. أخيرًا تقول عيوف: أنا فقدت آخر أمل بالمواجه حتى لو إني كنت لك مثل قوتك لكنّي الليلة أبي منك حاجه "صوتك" أمانه تقدر تجيب صوتك؟!