من المرتقب أن يفتح سوق الأسهم السعودي "تداول" أبوابه أمام المستثمرين الأجانب في 2015، هذه الخطوة جعلت الحكومات والشركات الخليجية خارج نطاق المملكة، تفكر بأبعاد هذا الأمر على بلدانها، تنشأ المخاوف لدى هذه الدول من إمكانية سحب المستثمرين لأموالهم من أسواقها وضخها في الشركات السعودية، الأمر الذي سيخلف معه خروج تدفقات سيولة سريعة مما يؤثر سلباً على البورصات المحلية. ومع ذلك، بالنظر إلى أنماط الاستثمار في المنطقة، والشواهد من الأحداث المماثلة السابقة، وعوامل الدورة الاقتصادية الحالية، ستتبدد هذه المخاوف بشكل كبير. أولاً، تظهر طريقة الاستثمار التقليدية في المنطقة أن أي إعادة توزيع للأصول بطريقة مفاجئة هو أمر مستبعد، فالمستثمرون المؤسساتيون بمنطقة الخليج، واللاعبون الرئيسيون في المنطقة، لا يسحبون أصولهم من بلد واحد لاستثمارها في بلد آخر، إذ يسير هؤلاء وفق منهجية أكثر تدرجاً، وعند اتخاذهم القرار لزيادة انكشافهم على بلد، فإن التغير يتم تنفيذه عبر استثمارات تقليدية، دون تجريد أصولهم من الأسواق الأخرى. إضافة إلى ذلك، هذه المؤسسات غالباً ما تتبع توزيعات قائمة على قواعد، بمعنى أنه يتعين عليها توزيع أصولها عبر البلدان بعد وجود قاعدة موضوعة مسبقاً، بحيث تكون مربوطة عادة بالنسبة المئوية للناتج المحلي الإجمالي العالمي للبلد. كما أنها مضطرة للحفاظ على نسبة مئوية معينة في محافظها في كل بلد، هذا القيد المفروض على استراتيجيتها يقلص من مستوى التقلب بشكل عام. ثانياً، لم يحدث أن حرّضت أحداث مماثلة على إعادة توزيع رأس المال في المنطقة. على سبيل المثال، في يونيو 2014، تمت ترقية سوقي قطرودبي من مؤشر "الأسواق شبه الناشئة" إلى مؤشر "الأسوق الناشئة"، وهذه الخطوة التي أعلن عنها في بداية 2013، تؤدي في الغالب إلى زيادة في تدفقات رأس المال الأجنبية. ونتيجة لحجم الاستثمارات القادمة من مستثمرين مؤسساتيين أجانب التي تلقاها السوقان بشكل ملحوظ، ارتفعت التدفقات في سوق دبي من 203 ملايين دولار في 2012 إلى 709 ملايين دولار في 2013، بينما كان التغير أكبر في قطر، فبعد أن خرجت تدفقات بقيمة 925 مليون دولار من السوق عام 2012، بلغ صافي التدفقات داخل السوق 616 مليون دولار في عام 2013. ومع ذلك، لم تأتِ هذه الزيادات من سحب الاستثمارات من بلدان أخرى. على سبيل المثال في الكويت، تراجعت التدفقات التي تأتي من هؤلاء المستثمرين بشكل طفيف في 2013 (509 ملايين دولار) مقارنة بعام 2012 (639 مليون دولار). من الدروس المستفادة الأخرى هي أن ترقية هذين السوقين لم ترفع نسبة المستثمرين الأجانب من الناحية النسبية. ففي 2014، ارتفعت نسبة الأسهم القطرية المستحوذة من أجانب من 8% إلى 9.1%، بينما في دبي، ارتفعت من 17% إلى 17.3%، وشهدت أبوظبي تغيراً مماثلاً، إذ ارتفعت نسبة استحواذ الأجانب من 10.4% إلى 11.4%. ونظراً إلى أن سوقي قطرودبي شهدا عوائد ضخمة خلال تلك الفترة بلغت 55% و119% على التوالي، فقد ترتب على الأمر زيادة في الطلب أتت معظمها من مستثمرين محليين، هؤلاء قاموا ربما بتحويل مصادر من أصول أخرى إلى أسهم من هذه البلدان. وهو ما يتفق مع النتائج التي استخلصها صندوق النقد الدولي حول المحافظ الاستثمارية في دول مجلس التعاون الخليجي، التي تظهر انحيازاً محلياً قوياً في المنطقة. فالمستثمرون الخليجيون يفضلون الاستثمار في أسواقهم المحلية. ثالثاً، بما أن معظم الاستثمارات التقليدية في السعودية قد يكون مصدرها مستثمرون في الخليج، فإن هذا الأمر سيخفف من تأثير التغيرات التنظيمية. فالمستثمرون الخليجيون لديهم انكشاف غير محدود على السوق السعودية، مما يقلص من إمكانية إعادة توزيع رؤوس الأموال بشكل كبير يلي هذا التغير. كما قد يكون المستثمرون الخليجيون قادرين على أخذ مراكزهم تدريجياً دون الحاجة إلى انتظار الموافقة رسمياً على تغيير التشريع. علاوة على ذلك من المرجح أن يكون تحرير السوق تدريجياً من خلال قيود أولية تفرض على المستثمرين الأجانب الذين ربما سيلجأون إلى اتخاذ موقف حذر في المراحل الأولى مما يقلل مرة أخرى فرصة حصول أي تعديل سريع. أخيراً، ستخفض عوامل دورة التقلبات الاقتصادية من تأثير انفتاح سوق تداول. فانهيار أسعار النفط في الأشهر الستة الماضية خفف من ثقة المستثمرين الإقليميين. ورغم التعافي الخجول مؤخراً، إلا أن سعر برميل النفط لا يزال أقل بنسبة 50% مقارنة بمستوى يونيو 2014. وفي حال لم ترتفع أسعار النفط، فإن قدرة إنفاق الحكومة السعودية التي تعد المحرك الرئيسي للاقتصاد السعودي، وعاملا رئيسيا يفسر أداء الشركات المدرجة في السوق، ستتأثر بشكل كبير. إضافة إلى ذلك، سيكون على السعودية المنافسة من أجل جذب اهتمام المستثمرين مع أسواق مهمة جديدة مثل الصين، التي تصنف بورصتها حالياً كسوق ناشئ وفق مؤشر مورغان ستانلي كابيتال إنترناشيونال (MSCI). كما شرعت الصين في عملية تحرير لسوقها من خلال تسهيل دخول المستثمرين الأجانب تدريجيا وتملكهم أسهما في شركاتها المدرجة. إذا فتحت السوق السعودية أبوابها في 2015، فإنها ستجذب اهتماماً كبيراً من المستثمرين الأجانب، لكن العملية ستكون تدريجية، وتأثيرها معتدلاً على المنطقة. ومن المستبعد الآن حدوث أي عملية سحب كبيرة للسيولة من الأسواق الكويتية والإماراتية أو أي بلد خليجي آخر وضخها في سوق تداول. * رئيس قطاع البحوث في شركة آسيا للاستثمار