ليس بالضرورة أن يكون المعقب مهندماً أو أنيقاً، وليس عليه أن يتحدث بطريقة توحي بأنه من المتعلمين والمثقفين، فالحقيبة السوداء التي يتأبطها ذهاباً وإياباً تمنحه الهيبة والوقار المنشودين، فكم من معاملة أصاب كبد صاحبها اليأس ذهبت أوراقها في تلك الحقيبة وهي مرفوضة، ومسدودة أمامها كل الطرق، وعادت في ذات الحقيبة مزينة بشروحات وتواقيع كتبت لها الفرج، ومنحتها عتقاً من الحفظ في ملفات الأرشيف العتيقة. وعلى الرغم من قدرة المعقبين الكبيرة على النفاذ داخل كل دائرة حكومية مهما استعصت الاستثناءات في تلك الدائرة، إلا أنهم قادرون على إحداث المفاجآت دائماً، وفك شفرة كثير من المعاملات التي قد ظن أصحابها أنها في طريقها للحفظ إلى النهائي وذلك إما بفهم النظام فهماً عميقاً، أو بشبهات فساد وصفقات تتم تحت الطاولة. لكن تحولاً كبيراً في عمل أغلب الجهات الحكومية نحو تفعيل التقنية وإتاحة الفرصة للمواطنين والمقيمين لإنجاز معاملاتهم الكترونياً مثّل البداية الحقيقية لانكماش هيبة حقيبة المعقب تلك، مما يشير إلى أنه ربما تنحسر مهنة التعقيب وربما تتلاشى في زمن ليس بعيداً، الأمر الذي يهدد المستقبل المهني لآلاف المعقبين ويزج بهم في طوابير البطالة من جديد. رئيس موقع تجمع المعقبين السعوديين بندر العصيمي يؤكد أن مهنة التعقيب بعد التحويل إلى الخدمات الإلكترونية والتطور الالكتروني الذي يجتاح بمعظم الوزارات الحكومية قد تقلصت، وأدى هذا التطور إلى تراجع أعداد العاملين بمهنة التعقيب بشكل لافت، وبين أن ذلك التحول في خدمات أغلب الدوائر الحكومية إلى الكترونية أحدث تأثيراً بالغاً أدى إلى أن ينضم عدد من العاملين في مهنة التعقيب إلى طوابير العاطلين عن العمل، خاصة المعقبين الذين لا يجيدون استخدام الحاسب الآلي، وأكد أن فئة من المعقبين ممن يجيدون التعامل مع الحاسب الآلي اتجه إلى تقديم خدمة طابع تقارير للعملاء لمن يجهل التعاملات الإلكترونية وأخذ مبلغ مقابل الاستعلام وشرح ما يدرج له بالنظام الآلي بالموافقة أو الرفض، وقد تقلصت مداخيل هذه الفئة من المعقبين حيث فقدوا 70% من الدخل الذي كانوا يتقاضونه من مهنة التعقيب. وأشار إلى أن القسم الثالث تحولوا إلى وظائف بالقطاع الخاص بمهنة معقب مراسل يستلم ويسلم للجهات المعنية في مجال العمالة أو شهادات تجارية أو التراخيص أو غيره، مبيناً أن البعض تم تعيينه موظفاً بالقطاع الخاص كمستشار يدلهم على الآلية والأنظمة المعمول بها من واقع خبرات عملية عديدة من السنوات بمجال التعقيب. وبين العصيمي أن القسم الرابع من المعقبين مازال على يمارس مهنته كمعقب مع التكاليف والالتزامات من إيجار ودفع مرتبات ومستمر رغم التطور والتوجه للاستغناء عن خدمات المعقبين تحت وطأة هذا التسارع التقني المستمر، معتمدين على الجهات التي لم يصلها نظام تقديم الخدمات للجمهور الكترونياً بعد. وأكد أن مهنه التعقيب تتلاشي تدريجياً جراء التوجه الحكومي لتوفير تنفيذ إجراء المعاملات الكترونياً الأمر الذي يجعل مستقبل العاملين في مهنة التعقيب غامضاً ومجهولاً.