منذ بداية شهر رمضان الكريم والقنوات الفضائية على اختلاف توجهاتها ومقاصدها تتسابق في كسب المشاهد العربي وإبقائه معها أكبر قدر ممكن من خلال البرامج والمسلسلات التي تعرضها. وفي هذا العام استطاع التلفزيون السعودي ممثلاً بقناته الأولى التفوق عليها جميعا في تقديمه للبرامج الشيقة والمفيدة التي تتناسب مع معاني هذا الشهر الفضيل وقيمه. فقد كان متمكنا و متنوعا في عرضه بل انه طوع إمكانياته لاستقطاب كفاءات ذات حظوة لدى المشاهد العربي لفرض حضورها وعلمها من خلال الشاشة. ويكفينا الحديث عن البرنامجين المتميزين اللذين تبثهما القناة الأولى في وقت الغروب والإفطار وهما برنامج لا تحزن للدكتور عائض القرني وبرنامج أولئك أناس علموني للدكتور ميسرة طاهر. في برنامج لا تحزن استطاع الدكتور عائض القرني من خلال برنامجه تطويع الكاميرا والمشاهد التلقائية وما تحتويه من قصص وعبر لعلمه وإمكانياته المتميزة التي كان نتاجها كتابه الرائع لا تحزن والذي حقق انتشارا عربيا كبيرا وبيعت منه ملايين النسخ . ليحقق بذلك خطوة عظيمة بتقريبه مادته الغنية المتميزة لأبصار وآذان العامة ممن قد لا تطال أيديهم الكتاب أو لا يستطيعون قراءته أو حتى أولئك الذين تعوزهم عادة القراءة ويفضلون عليها المشاهدة التي تستهويهم فيقدم مادة اجتماعية تعالج هموم الناس وأحزانهم وتصب الطمأنينة والتسلية في قلوبهم فتبعدها عن وحشة الوحدة والانكفاء على الذات مع تزايد الهموم والأحزان. الفكرة ناجحة في بلورتها ومنحاها بالتجديد والتنويع في نشر الفائدة والعلم والوعظ والإرشاد بعيدا عن الطرق التقليدية التي فقدت بريقها وخف تأثيرها في ظل هذا الحضور الجامح للتقنيات الفضائية المتطورة. أما برنامج الدكتور ميسرة طاهر (أولئك أناس علموني) والذي ينحو منحا آخر يحمل معه المشاهدين في رحلات تاريخية يمضي بهم إلى الماضي ليبحث لهم عن العبر والقصص المسلية فيجدد فيهم وصل الترابط مع ماضيهم وتراثهم الإسلامي والعربي ليزيد من مخزونهم الثقافي فيما يخص دينهم ودنياهم . إن التفوق المبكر الذي أظهرته القناة الأولى في تنوع وقوة وموضوعية برامجها في شهر رمضان أهلها لأن تكون محطة مرغوبة يطول عندها المكوث للاستماع والمشاهدة ليس على المستوى المحلي وحسب وإنما على المستوى الخارجي في العالم العربي والإسلامي بل إنها تكاد تكون محطة نور وإشعاع للعرب والمسلمين المغتربين في الخارج يقصدونها لتمدهم بكل ما يفتقرون إليه أو يحتاجونه من ثقافة وتسلية مفيدة . هذه شهادة سمعتها من أناس كثر يحملهم الحنين إلى ديارهم وعروبتهم لتقصي وسائل الإعلام المختلفة التي تبقي على ارتباطهم وتواصلهم وتواصل أبنائهم مع مجتمعاتهم العربية الأصيلة وثقافتهم الإسلامية. وإن كنا قد تعودنا انتقاد هذه القناة وتحركها البطيء في منافسة القنوات الفضائية الأخرى . إلا أننا مع هذا التفوق والتميز الملحوظ الذي حققته في شهر رمضان الحالي يتوجب علينا أن نتقدم لها ولكل العاملين والمشرفين عليها بالشكر والتقدير لأنها استطاعت أن تتخذ لنفسها مساراً مختلفاً عن ما سواها في انتقاء البرامج المناسبة لشهر رمضان التي تحترم عقل المشاهد وآداب الشهر الذي يعيشه ويتقرب فيه بكل إلحاح إلى الله . فتقدم له التسلية والفائدة بعيدا عن سباق المسلسلات الذي تغص به بقية القنوات الفضائية أو البرامج التي تتنافى في مفهومها وفكرتها عن المقصد الذي من أجله فرض الصيام في شهر رمضان.