يظل تاريخ الجزيرة العربية في عصره الحديث -لا سيما في القرون الثلاثة المتأخرة- محل اهتمام مجموعة من الباحثين والمؤرخين، الذين تفرغ البعض منهم لدراسة وتدوين الأحداث والأخبار، وسعى من خلال كتاباته للتعريف بالأيام والسنوات المشهورة، في حين أرخ البعض الآخر للوقائع والغزوات والمعارك، كما عكف فريق منهم على تدوين التراجم التي تحكي السير الشخصية لعدد من العلماء والقادة والأمراء، بل تجاوز ذلك إلى تراجم الأدباء والرحالة وكبار الشعراء، وكل هذا -بلا شك- ساهم وبشكل كبير في إثراء الموروث التاريخي، كما ساهم من خلال "طفرة التدوين" إلى تنوع المصادر التي يعود إليها الباحث في تاريخ مجتمعنا المحلي، لا سيما فيما يسميه الأقدمون "علم الرجال" الذي ترجم لعدد كبير من رجال المرحلة، والذين كان من بينهم الأمير والفارس والشاعر "عبدالله بن علي بن رشيد" -أمير منطقة الجبل والساعد الأيمن للإمام فيصل بن تركي-، والذي وصفه "ابن بشر" بأنّه: "ذو رأي وشجاعة"، ووصفه "الفاخري" قائلاً: "كان صارماً مهيباً، أرجف الأعراب بالغارات حتى خافه قريبهم وبعيدهم"، وقال فيه "فالين" الذي أعجب بشخصية "عبدالله" وأخيه "عبيد": "أضف إلى ما تقدم ما ذكره من صفاته الشخصية الفريدة وشجاعته ورجولته وعدله وعلى قسوته أحياناً، والمحافظة على وعده وعهده، لم يعرف عنه أنه نكث وعداً أعطاه". اختاره الإمام تركي بن عبدالله على رأس جيشه الذي أرسله للأحساء ساهم أبناء عمومته "آل علي"، في استتباب الأمن والحفاظ على استقرار البلاد، لا سيما في منطقة (الجبل) وما حولها، كسب ثقة الإمام "تركي بن عبدالله"، اختاره على رأس جيشه الذي أرسله للأحساء بقياده الإمام "فيصل بن تركي بن عبدالله"، وفعلاً كان "ابن رشيد" معاوناً وساعداً أميناً للإمام "فيصل"، الذي تلقى هو ومن معه في الجيش أخبار مفجعة عن طريق "زويد" -الخادم الخاص بالإمام "تركي بن عبدالله"-، والذي استطاع الهرب من الرياض والوصول إلى الإمام "فيصل بن تركي" وإخباره بمقتل والده الإمام "تركي بن عبدالله"، وهو ما استدعى الإمام "فيصل" أن يوقف حملته في (الأحساء)، ويعقد اجتماعاً خاصاً مع قادة جيشه، وعلى رأسهم "عبدالله بن رشيد"، الذي وصفه "ابن بشر" بأنه: "ذو رأي وشجاعة"، وحينها أشار الجميع بضرورة العودة إلى "الرياض"، والقبض على قتلة الإمام "تركي بن عبدالله"، وتقديهم إلى حكم الشرع، وفعلاً عاد الجيش واستطاع "عبدالله بن رشيد" أن يقنع الإمام "فيصل" بأن يسمح له بقيادة الهجوم الفدائي، الذي أشرف عليه الإمام "فيصل بن تركي"، والذي من خلاله استتب الأمر له، فعاد للحكم بعد أن ظفر بقتلة والده، وبويع إماماً محله. نسبه في عام 1204ه ولد الأمير "عبدالله بن علي بن رشيد بن خليل بن عطية من الربع –الربعية- من آل خليل من آل جعفر من عبدة"، سليل إحدى أكبر قبائل شمر التي تتفرع منها عدة بطون، ك"أسلم" و"سنجارة" و"عبده"، التي منها أبناء العمومة "آل علي" و"آل رشيد"، وتتفرع أسرة "آل رشيد" إلى ثلاثة فروع هم "آل عبدالله" و"آل عبيد" و"آل جبر"، ويلتقي "آل علي" بأبناء عمومتهم "آل رشيد" في الجد الخامس "عطية"، حيث إنّ "علي" جد "آل علي" و"خليل" جد "آل رشيد" إخوان، و"عطية" من "الربع" من "آل جعفر" من "عبده"، إحدى أكبر قبائل شمر من قبيلة "طيء" العربية، التي تعود إلى "كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان". مكانة والده لدى الإمام سعود قال "د.عبدالفتاح أبو علية" في دراسته حول المخطوط التركي (الرحلة الحجازية لسليمان شفيق كمالي) إنّ "علي" والد الأمير "عبدالله بن رشيد" كان أحد المقربين من الإمام "سعود بن عبدالعزيز" -ثالث حكام الدولة السعودية الأولى–، حيث كان أحد رجاله الثقات، بل عيّنه الإمام سعود جابياً لزكاة البادية في شمال الجزيرة العربية. وذكر "ضاري الرشيد" أنه كان صاحب ديانة وورع ودين وكرم ولم يكن يؤيد توجه ابنيه "عبدالله" و"عبيد" -رحمهما الله- في خلافهما مع ابن عمهم -أمير الجبل آنذاك- "صالح بن عبدالمحسن آل علي" -رحمه الله-، وكانا رهن أمر والدهما يسمعانه ويطيعانه، وبالتأكيد فإن "علي بن رشيد" لم يحصل على هذه المكانة عند الإمام "سعود" إلاّ لثقة الأخير به، بل ذكر صاحب المخطوطة التركية (الرحلة الحجازية) أنّ ل"علي بن رشيد" أخاً يدعى "جبر" عند الإمام "سعود" ب(الدرعية)، وهو عم الأمير "عبدالله بن علي بن رشيد"، وقد ذكر المؤرخ "ابن بشر" أنّ "جبر بن رشيد" كان قد انتقل بعد سقوط (الدرعية) إلى (رأس الخيمة) -وفق ما ذكره "ضاري الرشيد في (نبذة تاريخية عن نجد)-. وبيّن المؤرخ "محمد الزعارير" في (إمارة آل رشيد في حائل): "ويبدو أن جبر كانت له مكانة مرموقة عند سعود بن عبدالعزيز، إذ كان يكرمه إكراماً زائداً"، مستشهداً بما ذكره "ابن بشر" حول ما قاله الإمام "سعود" لعماله في الأقاليم: "إذا ورد عليكم كتاب فيه اسمي وهو خط جبر بن رشيد يكون يعمل فيه ولو ما فيه مهر"، ولم يكن هذا إلاّ دليل على المكانة التي يتمتع بها كل من "علي بن رشيد" و"جبر بن رشيد" عند الإمام "سعود"، لا سيما وأنّ "ابن بشر" نفسه كان قد ذكر "جبر بن رشيد" مع من وصفهم ب"أعيان المسلمين". نسب ومصاهرة ولم تقف هذه العلاقة على الآباء بل استمرت بين الأبناء، فالأمير "عبدالله بن علي بن رشيد" حين تولى إمارة (الجبل) بأمر من صديقه القديم الإمام "فيصل بن تركي"، اضطر إلى ترك الإمارة مع قدوم قوات "إسماعيل آغا"، من قبل الوالي العثماني في (مصر) "محمد علي باشا"، والسبب يعود لكونه أحد أبرز رجال الإمام "فيصل بن تركي"، ولكن وبعد مدة قصيرة استطاع الأمير "عبدالله بن رشيد" العودة لإمارة منطقة (الجبل)، وذلك مع قدوم قوات "خورشيد باشا"، كما أنّه بعد أربع سنوات استقبل بكرم وترحاب عودة الإمام "فيصل بن تركي" إلى نجد قادماً من (مصر)، وحينها زوج الإمام "فيصل" ابنته الجوهرة ب"طلال" ابن صديقه "عبدالله بن رشيد"، كما كان ل"ابن رشيد" وقفة صادقة مع الإمام "فيصل" في العودة إلى الرياض مرة أخرى. ويذكر بعض الباحثين أن الأمير "عبدالله" تزوج ب"الجوهرة" بنت الإمام "تركي بن عبدالله"، كما تزوج "عبدالله" ابن الإمام "فيصل بن تركي" من نورة بنت الأمير "عبدالله بن رشيد"، ثم من بنت ابن عمها "طريفة بنت عبيد بن رشيد"، ولما توفي عنها تزوجها شقيقه "محمد". إمارة الجبل سبق تولي الأمير "عبدالله بن رشيد" لإمارة (الجبل) أحداث يجدر بالباحث أن يطلع عليها، إذ مع نزوح بعض بطون "شمر" إلى (العراق) بقيادة شيخها "مطلق الجربا" -رحمه الله- عام 1205م -وفقاً لما ذكره "ابن غنام" في (تاريخ نجد)، وما ذكره "الفاخري" في (الأخبار النجدية)-، وعيّن الإمام "عبدالعزيز بن محمد بن سعود" الأمير "محمد بن عبدالمحسن بن فايز آل علي" أميراً على (الجبل) -وفقاً لما ذكره "راشد بن علي الحنبلي" في (مثير الوجد في أنساب ملوك نجد)-، إلى أن قتل الأمير "محمد بن عبدالمحسن -رحمه الله- أثناء حروبه مع قوات "إبراهيم باشا" عام 1234ه، وتولى بعده الأمير "صالح بن عبدالمحسن آل علي" في عهد الإمام "تركي بن عبدالله" -كما أورد ذلك "ابن بشر"-، ثم تولى الأمير "عيسى بن علي"، وكان الأمير "عبدالله بن علي بن رشيد" وأخوه "عبيد" قد تربيا مع "عيسى" ابن الأمير "محمد بن عبدالمحسن"، بل وتزوج الأمير "عبدالله بن رشيد" من ابنة الأمير "محمد بن عبدالمحسن" -وفقاً لرواية "ضاري الرشيد"-. وبعد أن أثبت الأمير "عبدالله" شجاعته في صد إحدى الهجمات التي تعرضت لها إمارة (الجبل) في عهد ابن عمه "صالح بن عبدالمحسن آل علي"، انحدر هو وأخوه "عبيد" إلى (العراق) -أثناء ولاية "داود باشا"- بعد أحداث يطول شرحها، حيث نزلا عند الشيخ "صفوق الجربا"، وكان الوالي العثماني ل(لعراق) "داود باشا" قد أهدى الأمير "عبدالله بن رشيد" غزالاً من ذهب؛ نظير جهوده وبطولاته التي قاد فيها بعض الجيوش هناك، والتي حصل "داود باشا" من خلالها على حصيلة كبيرة من الغنائم، وقد أهدى "ابن رشيد" هذا الغزال للإمام "تركي بن عبدالله" عند عودته إلى (الرياض)، -كما ذكر "سليمان بن صالح الدخيل" في مخطوطه (القول السديد في أخبار إمارة الرشيد)، ومع "عودة عبدالله بن رشيد" إلى (الرياض) حظي بتكريم من الإمام "تركي بن عبدالله". حصار الرياض بعد التكريم الذي أبداه الإمام "تركي بن عبدالله" ل"عبدالله بن رشيد" حرص الإمام "تركي" على تعيين "ابن رشيد" على رأس الجيش المتوجه إلى (الأحساء) و(القطيف) -كما ذكر "سليمان الدخيل" في كتابه (تحفة الألباء في تاريخ الأحساء)-، وكان الجيش تحت إمرة الإمام "فيصل ابن الإمام تركي بن عبدالله"، وفعلاً كان "ابن رشيد" معاوناً وساعداً أميناً للإمام "فيصل"، الذي تلقى هو ومن معه في الجيش أخباراً مفجعة عن طريق "زويد" -الخادم الخاص بالإمام "تركي بن عبدالله"-، والذي استطاع الهرب من الرياض والوصول إلى الإمام "فيصل بن تركي" وإخباره بمقتل والده الإمام "تركي بن عبدالله"، وهو ما استدعى الإمام "فيصل" أن يوقف حملته في (الأحساء)، ويعقد اجتماعاً خاصاً مع قادة جيشه، وعلى رأسهم "عبدالله بن رشيد"، الذي وصفه "ابن بشر" بأنه: "ذو رأي وشجاعة"، وحينها أشار الجميع بضرورة العودة إلى "الرياض"، والقبض على قتلة الإمام "تركي بن عبدالله"، وتقديهم إلى حكم الشرع، وفعلاً عاد الجيش واستطاع "عبدالله بن رشيد" أن يقنع الإمام "فيصل" بأن يسمح له بقيادة الهجوم الفدائي، الذي أشرف عليه الإمام "فيصل بن تركي"، والذي من خلاله استتب الأمر له، فعاد للحكم بعد أن ظفر بقتلة والده، وبويع إماماً محله. حوار الحصار تناول المؤرخون بأهمية بالغة الحوار الذي دار بين الإمام "فيصل بن تركي" والأمير "عبدالله بن رشيد"، وقد ذكر "ضاري الرشيد" في (نبذة تاريخية عن نجد)، هذا الحوار بالتفصيل، لا سيما وقد دل هذا الحديث المتبادل على متانة وعمق العلاقة بين الاثنين، حيث طلب "ابن رشيد" من الإمام "فيصل" أن يسمح له بتسلق أسوار (المصمك) مع بعض رجاله، لكن الإمام "فيصل" رفض أن يخاطر برفيق دربه، ولم يسمح له بذلك، بل قال له: "أنت رجل عزيز علي، وهو خطرية، ولا يسمح بالي أنك خطرية، والمسألة تبقى تهون على طول، لأن المحصور أضيق صدراً من الحاصر، والطالب أسبق من المطلوب"، فكان رد "ابن رشيد" أن قال: "أنا باذل نفسي بالذي فيه لك مصلحة وراحة للمسلمين، وإن شاء الله إنها تأتي بالتباشير"، وفعلاً تم اقتحام (المصمك)، وكان ل"عبدالله بن رشيد" دور فاعل ومهم في نصرة زميله ورفيق دربه الإمام "فيصل بن تركي". وكان "ابن رشيد" قد استأذن الإمام "فيصل بن تركي" في مفاوضة "سوّيد" -أمير جلاجل-، الذي وجده "ابن رشيد" في القصر المحاصر، وكانت بينهما صحبة سابقة، فما كان من الإمام "فيصل" إلاّ أن قال ل"ابن رشيد": "أنت رجل عندي ثقة افعل ما ترى"، وفعلاً تم الاتفاق مع "ابن سوّيد"، فكان الحال -كما وصفه "ابن بشر"- بقوله " فأتوا إلى القصر وحزموا لهم الحبال فصعدوا إليهم، وهم أربعون من الرجال، مع الليث الشجاع والصارم القطّاع عبدالله بن رشيد"، وفعلاً اشتبك "عبدالله بن رشيد" بالخادم "حمزة" وهو أحد رجال القصر المتمرسين لشؤون القتال، ودار بين الاثنين عراك طويل، استطاع الخادم "حمزة" أن يصيب "ابن رشيد" بقطع غائر في يده، بيد أن العراك انتهى أخيراً بقتل "حمزة"، وكان الأمير "عبدالله بن رشيد" قد عبر عن هذه الخطر الذي تعرض له بأبيات من الشعر أوردها "شليويح العتيبي" في (نجد في العصور العامية)، وذلك حينما قال "ابن رشيد" يصف ما مر به أثناء اقتحام القصر: شهودي بجلدي والعدو به بداله والناس تدري بالجدايد والأسماك وبالمناسبة فإن هذه القصيدة قيلت في عام1261ه، -أي بعد هذه الأحداث بمدة-، ومناسبتها أن جيشاً للأمير "عبدالله" غزا بعض الأقاليم بقيادة أخيه "عبيد" وابنه "طلال"، ولما علم الإمام "فيصل بن تركي" غضب وأرسل ل"ابن رشيد" يطلبه تفسير ما حدث، فما كان من "ابن رشيد" إلاّ أن أرسل مراسيله ومعهم هذه القصيدة، معتذراً وموضحاً للإمام "فيصل" أن الطرف الآخر استولى على إبل له وطالبهم ردها، لكنهم لم يستجيبوا له، فاضطر إلى غزوهم واستشهد برجلين كان الإمام "فيصل" قد أرسلهما للوساطة في الأمر، وهما "فرحان" و"ابن سبيت" حيث يقول "ابن رشيد": يوم الخطوط الفت وهو ما قرا له جاه المقري وألحق الأول التال ولا يطيع اللي بنصحٍ حكا له فرحان وابن سبيت ما ألقى لهم بال ثم يوضح في آخر القصيدة صدق ولائه لصديقه الإمام "فيصل"، وأنّه أول من يغزو أعداء الإمام، حتى لو كانوا أصدقاءه المقربين: ومن خالف أمرك لو صديقٍ فانا له سمٍ وطاعونٍ على الكبد واسلال العودة لحائل في أوائل عام 1251ه تم عزل الأمير "صالح بن عبدالمحسن آل علي" -رحمه الله- من إمارة (الجبل)، وعين مكانه "عبدالله بن رشيد"، وقد اختلف المؤرخون في الأسباب التي من أجلها تم عزل الأمير "صالح بن عبدالمحسن" رغم سيرته المحمودة، فمنهم من يرى أنّ عزله كان باتفاق بعض أهالي الجبل على ذلك لخلافات حدثت بين الأمير صالح وبعض الأعيان هناك، وفعلاً استتب الأمر أخيراً للأمير "عبدالله بن رشيد" الذي كتب للإمام "فيصل" يشرح له حقيقة ما جرى، ثم أقره الإمام "فيصل بن تركي" على الإمارة، في حين أنّ هناك من يرى أنّ ذلك كان بقرار مباشر من الإمام "فيصل بن تركي"، الذي أراد بذلك مكافأة "عبدالله بن رشيد" بعد مواقفه الصادقة والشجاعة معه. لم تمر سنة على ولاية "عبدالله بن رشيد" على (الجبل) حتى جاءت جيوش "محمد علي باشا" مرة أخرى لاستعادة أقاليم (نجد) و(الأحساء) من حكم الإمام "فيصل بن تركي"، وذلك بقيادة "إسماعيل آغا" في عام 1252ه، وفعلاً دخل "إسماعيل آغا" (الرياض) في السابع من شهر صفر عام 1253ه، وأعاد الأمير "عيسى بن علي" أميراً على (الجبل)، وكان "عبدالله بن رشيد" حين علم بقدوم عسكر الباشا خرج إلى (جبة)، ومنها إلى (قفار)، وهناك قال قصيدته الشهيرة: قل هيه يالي لي من الناس وداد ما ترحمون الحال يا عزوتي له ونسب بعضهم إليها البيت الشهير: لا صار ما مرٍ يزغرد بالأكباد ترى الموصي يسفه اللي موصيه على أنّ البعض يرى أنّه قال هذه القصيدة في خروجه الأول من (حائل) متجهاً ل(لعراق)، مروراً ب(جبة) ثم (الجوف). ساق الذيب استمر ابن رشيد في قفار إلى أن قدم "خورشيد" باشا مرسل من والي (مصر) "محمد علي باشا"، فما كان من "ابن رشيد"، إلا أن قابل الباشا الجديد في (المستجدة ) -جنوب غرب حائل-، وقيل في (المدينةالمنورة)، ودار بينهما نقاش طويل وتقديم للهدايا؛ مما دعا "خورشيد" أن يعيد "ابن رشيد" إلى (حائل)، حيث أرسل معه عساكر بقيادة الآغا "ساق الذيب" -كما تسميه بادية نجد-، وفي ذلك قال ابن رشيد: ياشارخ اركب فوق عوج المصاليب فليا ركبته قدم الحمد لله ابشر بساق الذيب جابه لك الذيب حرٍ جلى عمره على الترك واهداه كان ذلك بعد خروج الأمير "عيسى" إلى (المدينةالمنورة)، وحينها كتب "خورشيد" إلى "محمد علي باشا" في (مصر) ما نصه: "وقبل مدة قدم علينا ابن رشيد، وهو الشيخ الكبير المسموع الكلمة بين عربان جبل شمر"، ومع دخول "خورشيد باشا" إلى (نجد) عام 1253ه إلى خروجه منها عام 1256ه، مرت المنطقة بأحداث متواترة، وتقلبات بين القوى المؤيدة لوجوده والمناوئة له، وإلى عام 1254ه تم إجلاء الإمام "فيصل" إلى (مصر)، وبعدها خرج "الباشا" من (نجد) عام 1256ه، وطيلة هذه المدة استمر الأمير "عبدالله بن علي الرشيد" على علاقاته الطيبة مع كل من "خالد بن سعود"، الذي عينه الباشا حاكماً بدلاً من الإمام "فيصل بن تركي"، وكذلك مع "عبدالله بن ثنيان" الذي رفض حكم "خالد بن سعود"، كما استطاع "ابن رشيد" أن يوسع حدود إمارته، ويسعى لإحلال الأمن والأمان في ربوع تلك البلاد التي دانت له، وفعلاً تحقق له ذلك، حتى إنّ "الفاخري" وصفه قائلاً: "كان صارماً مهيباً، أرجف الأعراب بالغارات حتى خافه قريبهم وبعيدهم". عودة الإمام فيصل كان "ابن رشيد" يترقب ويتحرى أخبار صديقه القديم الإمام "فيصل بن تركي" وهو في (مصر)، حيث كان صدق الوعد والحفاظ على العهد من أبرز صفاته التي سجلها عنه، فهذا "فالين" الذي أعجب بشخصية "عبدالله" وأخيه "عبيد" لاسيما حين قال -وهو يصف "عبدالله": "أضف إلى ما تقدم ما ذكره من صفاته الشخصية الفريدة وشجاعته ورجولته وعدله وعلى قسوته أحياناً، والمحافظة على وعده وعهده، لم يعرف عنه أنه نكث وعداً أعطاه"، ثم راح "فالين " يصف ما كان عليه أمير (الجبل) من الكرم والسخاء، وكان (ابن رشيد) قد تلقى خبر استعداد قوات "خورشيد باشا" للجلاء من الجزيرة العربية بفرحة عارمة، فعلى الرغم من أنّه استطاع أن يحتوي هذا القائد التركي ويسايره، إلاّ أنّه أبداً لم يكن ليعينه على صديقه القديم الإمام "فيصل بن تركي"، بل لقد سارع إلى مساعدة "خورشيد" للرحيل إلى (مصر)، حيث قدم له (700) من الجمال، و(200) مطية -كما ذكر "ابن بشر"-، وفعلاً برحيل "خورشيد" وهزيمة "محمد علي باشا" أمام قوات الخليفة العثماني والحلفاء، والتي بموجبها أجبر الباشا على سحب قواته من الجزيرة والشام وكافة المناطق التي سيطر عليها، على أن تبقى ولاية (مصر) له ولعقبه، ومن خلال هذه الأحداث استطاع الإمام "فيصل بن تركي" أن يعود إلى (نجد)، وفي طريق عودته نزل برفيق دربه القديم الأمير "عبدالله بن رشيد" ويصف لنا "ابن بشر" هذا اللقاء قائلاً: "وأرسلوا إلى عبدالله بن علي بن رشيد يخبرونه بمجيئهم، فالتقاهم بالرجال والرحائل، ودخلوا بلدة حائل، فقابلهم بالتكريم والإكرام وعظمهم غاية الإعظام، وقال ابشروا بالمال والرجال، والمسير معكم والقتال". وفاته فعلاً استطاع الإمام "فيصل بن تركي" أن يستعيد حكمه في كل من (نجد) و(الأحساء)، ووقف معه صديقة الأمير "عبدالله بن رشيد" الذي استمر أميراً على منطقة (الجبل)، وإلى يوم الجمعة في جماد الأولى من عام 1263ه، توفي الأمير "عبدالله بن رشيد" بعد حياة حافلة بالأحداث وقيادة الجيوش، والتي استطاع من خلالها وبدعم مباشر من صديقه القديم الإمام "فيصل بن تركي" أن يساهم كما ساهم أبناء عمومته "آل علي"، في استتباب الأمن والحفاظ على استقرار البلاد، لا سيما في منطقة (الجبل) وما حولها، وكان قد ترك من الأبناء "طلال" و"محمد" من زوجته "منيرة الجبر"، و"متعب" من زوجته "سلمى العلي"، وكان عمره حين وفاته يناهز ( 64) عاماً -رحمه الله رحمة واسعة-. توطيد أمن وإستقرار الدولة بقوة السيف وهيبة الحاكم قصيدة «ابن رشيد» في الإمام فيصل بن تركي وثيقة مهمة تؤكد العلاقة الوطيدة بينهما