تحفل مملكتنا ولله الحمد والمنة بتسارع عملية التنمية وتوجه كثير من المواطنين نحو التطوير الذاتي من خلال الاستمرار في المسيرة العلمية والرغبة في مواصلة التعليم العالي عبر البرامج المتاحة في مختلف الجامعات الحكومية والأهلية المحلية والعالمية.. والمتأمل في الجهود التي تبذلها الدولة من حيث توفير أعضاء هيئة التدريس وفتح برامج كثير منها مجانية وبعضها برسوم رمزية متعددة المستويات:دبلوم، ماجستير ودكتوراه ومختلفة المجالات بين شرعية، علمية وإنسانية.. كما يبهج الحماس الذي يبدو واضحاً على كثير من طلاب الدراسات العليا ورغبتهم في إكمال مشوارهم التعليمي في أقصر مدة ممكنة فتراهم يحرصون على انتقاء الأفكار البحثية والتأكد من ملاءمتها للدراسة العلمية والأصول المنهجية ثم يقدمونها للقسم الذي يدرسون فيه. ويفاجأ كثيرون بعدم موافقة مجالس الأقسام الموقرة على الأفكار العلمية البحثية ويردون رداً شفهياً عبر سكرتير الدراسات العليا أو أمين القسم برفض الفكرة دون خطاب رسمي مكتوب يبين فيه أسباب عدم قبول الفكرة وعدم ملاءمتها للأطروحة العلمية. في الوقت الذي يتفاجأ مقدمو تلك الأفكار بأن بعض زملائهم تقدموا بالفكرة ذاتها فيما بعد وتم قبولها وتخرج صاحبها من مرحلته التي يدرس فيها!! فكيف يثبت صاحب الفكرة الأصل حقوقه الفكرية والأدبية حينها؟؟! وكيف تُرفض من طالب وتقبل من غيره؟؟! ناهيك عن أن الأفكار المخوّلة للقبول تستدعي أشهراً عدة لتحظى بعرضها في اجتماع أصحاب السعادة في مجالس الأقسام والكليات ثم إبداء المرئيات حولها وإعادتها للطالب ليعدل فيها ما يلزم ثم تعود مرة أخرى لتأخذ دورها في العرض الذي قد يمتد لعدة أسابيع أو أشهر!! كل هذا يستنزف حماس الطالب للفكرة ويحول دون مساعيه في جمع مراجعه ومادته العلمية وإعداد استماراته البحثية واستباناته العلمية في حال الحاجة إليها،لأنه قد يُبادر ويحفزه حماسه ليفعل ذلك فيتفاجأ كما تفاجأ كثيرون بتعثر قبول الفكرة البحثية في مراحل إقرارها الأخيرة. ثم يعود أدراجه ليبدأ الطريق من الخطوة الأولى. كل هذا يحدث وهو محاط بمدة زمنية محددة لا يستطيع تجاوزها، فتأخذ منه الإجراءات الروتينية والمراجعات الإدارية أكثر من الوقت الفعلي الذي تستغرقه الدراسة وتحتاجه مما يضطره للإسراع في استيفاء خطة البحث أبوابه وفصوله ومباحثه وفروعه ومسائله حفاظاً على الالتزام بالوقت المحدد!! ولا شك أن آثار العجلة لا تخفى على المتخصص الخبير مما يؤثر على جزالة الدراسات العلمية، والمخرجات البحثية، والكوادر الأكاديمية والمهارات البحثية والقيمة الحقيقية لموضوع الدراسة. إنني آمل أن يتم التعامل مع الدراسات العليا والأبحاث العلمية باحترافية رقمية عبر المواقع الالكترونية الرسمية التي تحفظ حق الطالب وجهده ومبادرته في تقديم الفكرة العلمية سواء تم قبولها أو رفضها. كما تختصر عليه وعلى المجالس العلمية الموقرة الوقت والجهد في تسليم النسخ المطلوبة واستلام التعديلات. وتكفيه عناء البحث عمن يستلم منه الفكرة ويناقشها ويعرضها سيما في ظل غياب التطبيق الفعلي للساعات المكتبية لمعظم أعضاء هيئة التدريس. ناهيك عن الدورة نفسها بعد أن ينهي الباحث بحثه من مراجعة البحث وعرضه على اللجان ذات العلاقة وإجازته واستلام نسخه ومروره بإجراءات إدارية تتجاوز أشهراً عدة. يعقبها تحديد تاريخ المناقشة العلمية الذي يُدرج ضمن قوائم الانتظار ثم الدورة الأخيرة التي تصدر بعدها وثيقة التخرج الرسمية من إدارة الجامعة. في مدة تستغرق سنوات طوال من عمر الباحث تؤثر على إعداده العلمي أدائه الأكاديمي ونفعه المجتمعي. وإنني من هذا المنبر أقترح: توجيه الدراسات العليا للتواصل الرقمي من خلال موقع الجامعة مع عمادة الدراسات العليا والأقسام العلمية فيما يتعلق بالأفكار البحثية التي تُسجل باسم صاحبها تسجيلاً رسمياً ويتلقى الردود الرسمية تجاهها كذلك، والإجراءات الإدارية والعلمية والتواصل مع المشرف عبر صفحته الرسمية يحقق الأهداف العلمية ويوفر كثيراً من الوقت والجهد ويختصر على الباحث والمشرف وسائر الهيئات والمجالس العلمية والإدارية جهوداً تستنزفهم جميعاً. لأن ذلك يجعل الباحث يسخر سائر وقته وجهده للتركيز على الدراسة العلمية والجودة البحثية والإبداع في فكرته وموضوع بحثه. سيما في ظل التوجه المحلي والعالمي إلى الحكومة الالكترونية والتعاملات الرقمية. آمل أن يحظى هذا الأمر باهتمام وزارة التعليم التي ننتظر منها ما يحقق الطموحات والآمال.