شكل استشهاد الطيار الأردني معاذ الكساسبة صدمة كبيرة لدى الرأي العام العربي والإسلامي والدولي جراء الوحشية غير المسبوقة التي انتهجها التنظيم الإرهابي المتطرف في إعدام الأسير بإحراقه حياً، وقد أثار الفيلم التلفزيوني الذي أنتجته الأذرعة الإعلامية ل"داعش"لعملية الإعدام والذي تجاوزت مدته 22 دقيقة ذهولا لدى المراقبين الإعلامين والباحثين في شؤون الجماعات الإسلامية المتطرفة عن الإحترافية الفائقة في الإنتاج والتصوير والإخراج والذي يؤكد على القدرة الهائلة للتنظيم على التعاطي المتقدم مع الوسائل التقنية وكيفية بناء رسالته الإعلامية شكلاً ومضموناً. وقد بات واضحاً بأن داعش في الوقت الراهن لم يعد يعتمد على الوسطاء التقنيين والإعلاميين لبث عملياته الهمجية في هذه البيئة الإعلامية الجديدة، ولكنه أصبح من خلال الذراع الإعلامي له يستطيع تحميل دعايته ورؤيته لينشرها على مستوى العالم في غضون دقائق أو ساعات. (رسائل الرعب) وتعد رسائل الذبح والقتل الشنيع المخططة من قبل تنظيم داعش تكتيكاً إعلامياِ لإكساب مقاتلي التنظيم دعماً نفسياً ثميناً وفي نفس الوقت محاولة دموية لإخافة القادمين من القوات المضادة كعملية قتله الشنيعة يوم الثلاثاء الماضي للطيار الأردني..الاعدام نحراً للصحافي الأمريكي "جيمس فولي" وموظف الإغاثة البريطاني، "ديفيد هينز"،وآخرون مثال على ذلك، ومن هذا المنطلق فإن بث عمليات القتل الوحشية ليست سوى إستراتيجية منخفضة التكلفة من أجل جذب أنظار العالم وتوسيع كوادر التنظيم القتالية وهي بمثابة رسائل حمراء للعالم ومفادها أن كل من يريد إيقاف التنظيم ويمانع في الانضواء تحت رايته ويثنيه عن خططه سيلقى نفس جزاء هؤلاء المقتولين على يديه وحتى من السنة والشيعة أيضاً، وتبقى هذا الرسائل مؤثرة وقادرة على أداء مهمتها لدى المشاهد. متطرفون إلكترونيون يتولون إصدار الأفلام والأشرطة الدعائية والمجلات والمدونات (سلاح الإعلام) يتمتع الإعلام بأهمية كبيرة داخل هيكلية تنظيم "داعش"، وهو من أكثر التنظيمات المتطرفة اهتمامًا بشبكة الإنترنت والمسألة الإعلامية؛ فقد أدرك منذ فترة مبكرة من تأسيسه الأهمية الاستثنائية للوسائط الاتصالية في إيصال رسالته السياسية ونشر أيديولوجيته المتطرفة، فأصبح مفهوم "التطرف الإلكتروني" أحد الأركان الرئيسية في فترة مبكرة منذ تأسيس جماعة "التوحيد والجهاد"، ثم القاعدة في بلاد الرافدين. فكان أبو ميسرة العراقي يتولى رئاسة القسم الإعلامي، وفي حقبة "دولة العراق الإسلامية" عام 2006 تولى المنصب أبو محمد المشهداني تحت اسم وزير الإعلام، وكان أبو عبدالله محارب عبداللطيف الجبوري ناطقًا باسم التنظيم، وفي عام 2009 أصبح أحمد الطائي وزيرًا للإعلام، ويقود المؤسسة الإعلامية لتنظيم "داعش"اليوم هيئة موسعة بقيادة أبي الأثير عمرو العبسي. وشهدت الهيئة الإعلامية لتنظيم الدولة تطورًا كبيرًا بالشكل والمحتوى، وتتمتع بدعم وإسناد كبيرين، وتعتبر مؤسسة "الفرقان" الإعلامية الأقدم والأهم، وقد ظهرت مؤخرًا مؤسسات إعلامية عديدة تتبع التنظيم، كمؤسسة "الاعتصام" ومركز "الحياة"، ومؤسسة أعماق، ومؤسسة البتار، ومؤسسة دابق الإعلامية، ومؤسسة الخلافة، ومؤسسة أجناد للإنتاج الإعلامي، ومؤسسة الغرباء للإعلام، ومؤسسة الإسراء للإنتاج الإعلامي، ومؤسسة الصقيل، ومؤسسة الوفاء، ومؤسسة نسائم للإنتاج الصوتي، ومجموعة من الوكالات التي تتبع الولايات والمناطق التي تسيطر عليها، كوكالة أنباء "البركة" و"الخير" وغيرها. وتؤكد الأشرطة والمواد الدعائية التي تصدرها المؤسسات الإعلامية التابعة للتنظيم كمؤسستي "الفرقان" و"الاعتصام"، على التحول الكبير في بنيته وقدراته الفائقة، وتكتيكاته العنيفة، واستراتيجيته القتالية المرعبة؛ فقد أصدر سلسلة من الأفلام المتقنة، أطلق عليها "صليل الصوارم"، بدءًا من صليل الصوارم 1 يوليو 2012، وصليل الصوارم 2 أغسطس 2012 وصليل الصوارم 3 يناير 2012، ثم صليل الصوارم 4 مايو 2014. بث عمليات القتل الوحشية إستراتيجية منخفضة التكلفة لجذب أنظار العالم بعد تضعضع قوى التنظيم وبعد سيطرة تنظيم "داعش" على الموصل في 10 يونيو 2014، قام بنشر سلسلة من الأشرطة الترهيبية تختص بعمليات "قطع الرؤوس"، بدأها بشريط مصور بعنوان "رسالة إلى أميركا"، يقوم فيه عضو ينتمي إلى التنظيم بقطع رأس الرهينة الاميركي جيمس فولي، ثم قام التنظيم بعد أيام قليلة في 2 سبتمبر 2014، بنشر شريط آخر يحمل العنوان نفسه يتضمن قطع رأس الرهينة الأميركي الثاني ستيفن سوتلوف، وكلا الرهينتين صحافيان أميركيَّان، ثم بثَّ التنظيم شريطاً مصوراً آخر بعنوان "رسالة إلى حلفاء أميركا" في 14 سبتمبر 2014، يقوم فيه أعضاؤه بقطع رأس الرهينة بريطاني لدى التنظيم، يدعى ديفيد هينز، وفي 3 أكتوبر بثَّ التنظيم شريطًا يقوم فيه بقطع رأس رهينة البريطاني آلن هينينغ، ويهدد فيه بقطع رأس الرهينة ألاميركي بيتر كاسيغ. ومن أهم الإصدارات التي كان لها وقْع كبير على موقع "يوتيوب" إصدار "كسر الحدود" بتاريخ 29 يونيو 2014، و"خطبة البغدادي في الموصل" بتاريخ 5 يوليو 2014، وسلسلة إصدارات بعنوان "رسائل من أرض الملاحم"، وهي سلسلة توثق إنجازات وعمليات التنظيم تصدر تباعاً بلغت حتى الآن 50 إصداراً، وكذلك سلسلة إصدارات بعنوان "فشَرِّد بهم مَنْ خَلْفَهم"، ويغطي الجزء الأول معركة اللواء 93 في ولاية الرقة السورية بتاريخ 23 أغسطس 2014، والجزء الثاني يغطي معركة تحرير مطار الطبقة في ولاية الرقة السورية بتاريخ 7 سبتمبر 2014. وهنالك إصدار "على منهاج النبوة"، بتاريخ 28 يوليو 2014. يعتبر فيلم "لهيب الحرب"، من أضخم الإصدارات والأكثر دقة ورعبًا، ويتضمن تغطية لمعارك عديدة لتنظيم داعش ورسالة موجهة لدول التحالف المشاركة في الحملة على التنظيم، وقد أصدره الجناح الإعلامي التابع للتنظيم الخاص باللغة الإنجليزية "مركز الحياة"، بتاريخ 17 سبتمبر2014 كما صدر عدد من المجلات بالعربية والإنجليزية ك"دابق" و"الشامخة"، وأنشأت الهيئة إذاعات محلية، مثل إذاعة "البيان" في مدينة الموصل في العراق، وإذاعة أخرى في مدينة الرقة في سورية. يدرك داعش تماماً الدور الذي تلعبه وسائل التواصل الاجتماعية في جعل تنظيمها عابراً للحدود وصناعة افتراضية تفوق الواقع فهو ما إن يطأ أرضاً حتى يبادر بشكل منظم وسريع في تغذية المواقع بأخباره صوتاً وصورة، فمن بين سبعة حسابات فتحها التنظيم في محافظات صلاح الدين وديالي والأنبار ونينوى أغلق منها خمسة، كما تم غلق الحساب الرسمي للتنظيم على "فيسبوك"، غير أنّ حسابات جديدة سرعان ما تظهر لتحلّ مكانها. وفي ظل الاستحالة المطلقة لاستخدام التنظيم لوسائل الإعلام التقليدية والتي تقع في قبضة المؤسسات الإعلامية التابعة للدول والتي لن تسمح له بأي تمرير متطرف عبر قنواتها وهي بلا شك أحد الخصوم المقاتلين للتنظيم وتحارب على مدار الساعة العمليات والأفكار المتطرفة. تستخدم داعش وسائل الاعلام الاجتماعية لنشر أفكارها ولتهديد أعدائها وذلك بنقل التفاصيل الدموية لذبح الأسرى وتعززت السمعة الوحشية للقوة العسكرية للمجموعة، عن طريق جهودها في وسائل الإعلام الجديدة، والتي أضعفت مقاومة أعدائها وقاد البعض منها إلى الفرار من المعركة وعلى تويتر والفيسبوك في صفحات التنظيم تم توجيه نداءات للمستهدفين من الشباب من كلا الجنسين لجذب مجندين والتماس التمويل على الانترنت فضلا عن التهديدات للأعداء الحاليين والمحتملين. (المدونات السوداء) ويواصل التنظيم نشاطه الإعلامي من خلال العمل في المدونات، ومن أهمها مدونات باللغتين الروسية والإنجليزية، إذ تقوم الهيئة بترجمة الإصدارات الإعلامية إلى لغات أجنبية عديدة، كالإنجليزية والفرنسية، والألمانية، والإسبانية، والأوردو، وغيرها. يسيطر التنظيم الإرهابي على عدد كبير من المواقع والمنتديات الإلكترونية، التي تحتوي على مكتبة هائلة وواسعة تختص بالأيديولوجيا والخطاب وآليات التجنيد والتمويل والتدريب والتخفي والتكتيكات القتالية وصنع المتفجرات وكل ما يلزم "المتطرفين" في عمليات المواجهة في إطار حرب العصابات وسياسات الاستنزاف. ويبين السلوك الإعلامي لداعش مدى حالة التقهقر والتضعضع الذي يعاني منها التنظيم المتطرف في ظل حالة الحصار التي يعانيها على الأرض مما أدى إلى تراجع نفوذه على عدد من المناطق التي كان يسيطر عليها وأفقدته آلافا من عناصره الذين قتلوا أثناء المعارك لذلك لجأ أخيراً إلى دعايته الجبانة بقتل الأسيرين الياباني والأردني مؤخراً محاولاً إظهار قوته الجبارة.. كما يزعم.