هو مبدأ راسخ في جميع دول العالم، ومنها بلدنا بالطبع، رغم أنه ليس هناك قانون، وأعني بذلك أنه ليست هناك جرائم (جنح أو جنايات) محددة ومكتوبة اللهم إلا إذا استثنينا القتل والسرقة والزنا والقذف وشرب الخمر والأنظمة التي تصدر بها مراسم ملكية، وعدا ذلك فالأمر متروك لتقدير القضاة واجتهادهم، والمجتهد قد يخطئ ويصيب، وقد يختلف الحكم بين مجتهد وآخر، أي بكلمات أخرى أن القضاة وحدهم هم الذين يكيفون أي عمل يقترفه إنسان ما ويسمونه بالجرم والعدوان، وفي هذا الوضع يظل الناس جاهلين ب (القانون) بالرغم من حرصهم على معرفة ما هو مشروع وغير مشروع في سلوكياتهم وتعاملهم مع الآخرين، وهنا يجابهنا غصباً هذا السؤال وهو: «كيف أعاقب على عمل لا أعرف أنه قد يعتبر جريمة؟» وقد يقال إن الأعمال ذات الطابع الإجرامي معروفة، ولكن هذه المعرفة تختلف من قاض إلى آخر، ومن شخص إلى آخر، ولذلك لا يمكن أن نتخذها قاعدة لإصدار الأحكام، ثم إن العقاب لا يكون إلا بعد الإنذار والأعذار وفقاً لما قررته هذه الآية الكريمة: «{وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً} (الأسراء: 15) وقد فسرها الطبري بقوله: «وما كنا مهلكي قوم إلا بعد الأعذار إليهم بالرسل، وإقامة الحجة بالآيات التي تقطع عذرهم» أو بكلمات أخرى لا عقوبة إلا بآية أو بنص، ولهذا فقد آن الأوان لأن تقوم هيئة من أهل الفقه بتوصيف الأعمال التي تعتبر جريمة وتحديد العقوبة عليها وتدوينها في صورة مواد ليسهل التعرف عليها، وذلك على غرار القوانين المكتوبة في الدول الأخرى، ويمكن الاسترشاد بمجلة الأحكام العدلية التي وضعها العثمانيون، ومجلة الأحكام الشرعية التي وضعها الشيخ أحمد قاري، هذا على أن مثل هذا العمل سيشجع المستثمرين الأجانب الذين يحجمون عن الاستثمار في المملكة لعدم وجود قوانين مدونة، والله يهدينا إلى خير الأعمال.