رحيل الزعماء العظام بمواقفهم ومبادراتهم الشجاعة هو أكثر ما يؤثر في عالم اليوم الذي ينشد العدل والمساواة، ويبحث عن صوت العقل والحكمة في زمن صعب بمتغيراته ومغرياته، هو رحيل مؤلم وموجع للشرفاء الثابتين على مبادئهم، وأفعالهم قبل أقوالهم، هو أكثر من ذلك خسارة كبيرة، وفاجعة حين تفقد من تشعر أنه قريب منك بمسؤولياته، واقف معك في أصعب ظروفك، ومستجيب لك حين تسبق رؤيته ما تحلم بتحقيقه.. عبدالله بن عبدالعزيز القائد الاستثنائي، والرجل العظيم النهضوي، والزعيم الذي لا يفارقك حضوره، ولا شعوره، ولا قلبه الطيّب الطاهر.. الإنسان الصادق، الصدوق، الوفي، النزيه، المحب لأمته ووطنه وشعبه.. عبدالله بن عبدالعزيز الملك الذي صاغ رؤيته ومشروعاته لمستقبل الأجيال، ونحصدها وسنحصدها مع الزمن القريب لنتذكر كم كان زعيماً مختلفاً، فريداً، عظيماً في كل توجهاته، ومبادراته. هو قائد أمضى في حكمه عشر سنوات ولكن ما أنجزه في زمن قياسي يعد كبيراً، وكبيراً جداً؛ حين أسس مجتمعاً حافلاً بالمشروعات الإصلاحية بدءاً من إصلاح التعليم والقضاء، والاقتصاد، مروراً ببناء مجتمع المعرفة والانفتاح المسؤول والحوار الوطني والحوار بين اتباع الحضارات وتجديد الوعي وتطوير الأنظمة وتحقيق التنمية المستدامة والمتوازنة في جميع المناطق، وتوسعة الحرمين الشريفين، ووصولاً إلى مشاركة الأسرة الدولية في تبني مواقف السلام والتأثير في القرار السياسي والاقتصادي وإغاثة الملهوف في أنحاء العالم، والتحليق بجناحي المجتمع الرجل والمرأة لتصويب مظاهر الانغلاق، ومحاربة الفساد والإرهاب، ومواجهة البطالة، وبناء عتاد المستقبل من خلال برنامج الابتعاث، وتشييد الجامعات. رحل خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله- وترك لنا مشروع نهضة نسير عليه منهجاً، وفكراً، وعملاً، وحمّلنا مسؤولية وطن نحميه، ونضحي من أجله، ونمضي به إلى الأمام حيث العالم الأول.. ترك لنا إرثاً من الحب الكبير الذي يصعب أن نحمله في دواخلنا بدونه، وهو يمنحنا كل يوم حبه، وروحه، وقلبه الكبير الذي جمعنا فيه وطناً ومواطناً.. هو عبدالله بن عبدالعزيز ملهم الأجيال، وصانع الأمجاد، وباني حضارة الوطن، هو من نبكيه اليوم، ونترحم عليه، وندعو له بالرحمة والمغفرة، هو من سالت له الدموع يوم أمس، وارتفعت الأيادي دعاءً صادقاً لم يزايد فيه مواطن على آخر، ولكنه كان إحساساً نابعاً من حب متبادل.. نسأل الله أن يجزيه على ما قدم لأمته ووطنه خير الجزاء، وندعو الله أن يوفق خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين الأمير مقرن بن عبدالعزيز -حفظهما الله-، وأن نواصل مسيرة الوطن والمواطن، ونحن ننعم بالأمن والاستقرار.