الفنان التشكيلي المصري طه القرني أو فنان الشعب كما تقول جدارياته الأكبر في العالم والتي دخل بها موسوعة جينس للأرقام القياسية قبل حوالي ثمان سنوات تحديدًا في عام 2007م من خلال جداريته التشكيلية «سوق الجمعة» التي عدّت حينها أكبر لوحة في العالم إذ بلغ طولها 23 مترا وارتفاعها 140 سم، قبل أن يواصل جدارياته الضخمة بالمولد في عام 2008م حيث حطم بها رقمه السابق وجاءت بعرض 32مترا.. القرني حضر طازجا وحاضرا في ثورة 25 يوليو بجدارية هي الأكبر اليوم بارتفاع متر ونصف وباثنين وأربعين مترا طولا جاءت بعنوان "جدارية الثورة المصرية" حيث حملت ثمانية عشرة قطعة تشكيلية تخلّقت برؤى فنان الشعب لتحكي فصول ثورة امتدّت لعام ونصف واستيقظت حينها على ضياع.. جدارية القرني التي من المتوقّع أن تعرض في ميدان التحرير تشكّلت قطعها بين تخلّق الأحلام وإجهاضها تبدأ برصد حالم للأحداث وتنتهي بخيبات فنان يحلم أكثر مما ينبغي حدّ أن ترتدّ أوجاعه عليه.. القرني وهو يضع على جداريته لمساتها الأخيرة بلوحة تنقل لنا أحد البسطاء الحالمين مثله وهو "يشق هدومه" بعد مرور عام ونصف على الثورة يقول عنها: (ظللت تاركا اللوحة الأخيرة في الجدارية ذات نهاية مفتوحة حتى تتحقق أهداف الثورة على الأرض فتكون هي الخاتمة الحقيقية لثورة نبيلة؛.. لكنني لم أستطع إلا أن أقدم حال جموع الشعب المصري من حزن وأسى من خلال الرجل الذي يكاد «يشق هدومه» بعد عام ونصف عام من قيام الثورة...). جدارية الثورة مكتظة بالشعب حالمة معه ومنكسرة مثله فهي حين تحمل الصبية الواقفين يحملون أطباقا فارغة من الطعام، ومن خلفهم العشوائيات التي لا تزال كما هي، ثم لا تحمل صورة أو صورا لأبطال الثورة الحقيقيين في الميدان، شباب ثورة 25 يناير، وهم يجنون ثمار ثورتهم، إنما تجسّد الفن بوصفه حياة والرؤيا بكونها تتخلق في الرؤية، فالأحلام التي تُقتل تترك فراغاتها لمن قتلها، ولهذا فقط جاءت القطع الأخيرة من الجدارية وتحديدا اللوحة رقم 18 والأخيرة فيها وهي تحمل عنوان "الدستور وانتخابات الرئيس" تجسيدا للنهاية المأساوية التي آلت إليها ثورة يناير كما يراها القرني.. صور الحيوانات التي تصدّرت الجدارية وأكد القرني من أنها ترميزا سياسيا لمرشحي الانتخابات بعد انتهاء الثورة وقبل حقبة الرئيس السابق محمد مرسي تحيلنا لتأويلات متعددة، فصورة الثعلب تدل على اللؤم والخبث، وصورة القرد تدل على اللعب على كل الحبال والحركات البهلوانية والأكل على كل الموائد، وصورة الطاووس تدل على الغرور والصلف وتمثيل دور الرئيس وما هو برئيس، أما الأسد فيعبر عن من يأكل اللحم الميت بتلذذ وبلا رحمة، فيما تعبر صورة النسر عن الاختطاف والانقضاض، بينما يعبر الجمل عن الصبر والحكمة والجلد في الصعاب.. وأيا كان الأمر فجدارية الثورة كما يبدو ستبقى خلْقا إبداعيا انطلق على شكل حلم في رحم الواقع حتى تحوّل في آخر الأمر إلى دورة وجود كاملة بدأت وانتهت في أحضان رؤيا هي أكبر من البصر وأكثر من الكلام.