كسر الحاجز النفسي بين عامة الشعب والفن التشكيلي أمر يشغل فكر الفنان التشكيلي طه القرني، وهو ما حاول لسنوات العمل على إنجازه ليخرج هذا الفن من العزلة الوهمية التي فرضها البعض عليه بحبسه داخل القاعات المكيّفة. والواقع أن القرني تمكن من خلال «جدارية الثورة» أن يحقق الحلم بعرضها في ميداني العباسية والتحرير في القاهرة ليشاهدها المارة والبسطاء، ومن ثم انتقلت للعرض داخل دار الاوبرا المصرية حتى الأربعاء المقبل. جدارية الثورة هي عمل فنّي فريد ليس لعرضها في ساحات عامة شهدت على دماء المصريين التي سالت دفاعاً عن الحرية والتغيير فحسب، وإنما لأنها تعكس أعلى موجات الثورة المصرية بدءاً من جمعة الغصب مروراً بمليونية الرحيل ومحاكمة الرئيس وحتى آخر جمعة للمطالبة بالدستور وانتخاب الرئيس. وقد استغرق تنفيذ الجدارية التي يبلغ طولها 45 متراً 15 شهراً. وجاء أبرز مقاطع الجدارية ما أطلق عليه القرني «جمعة قندهار» التي عبّر فيها عن خروج الجماعة السلفية إلى ميدان التحرير في مليونية منفصلة عن كل التيارات ومثلهم في الجدارية بالأبيض والأسود، في إشارة إلى عودتهم إلى التاريخ القديم بينما ظهر إلى جوارهم الأزهر الشريف بالألوان الزاهية دلالة على كونه الوجه الإسلامي المستنير. ويشير القرني إلى أنه تلقى كثيراً من التهديدات لثنيه عن عرض عمله، لكنه أصر على رسالته بأن الفن سيقف في مواجهة التيارات المتزمتة لا سيما أن أتباعها قلة. ويوضح أن الحوار الجدلي الذي أحدثته الجدارية بين النخبة والجمهور البسيط أدى إلى مكتسبات للحركة التشكيلية وأوجد مساحة جديدة للفن بين كل الأطياف المجتمعية والشارع، وهو ما ظهر بوضوح خلال عرضها في الميادين العامة حيث شاهدها أطفال الشوارع وعمال النظافة، وهم من الفئات التي حُرمت التعرف على الفن التشكيلي. ويوضح أنه تعرض لصعوبة في بداية الأمر مع الاستعداد لعرض الجدارية في ميدان التحرير وواجه رفض الباعة الجائلين الذين فرضوا سيطرتهم على الميدان، ولكن تبدد تخوفهم عندما عرفوا أن الجدارية تكرم الثوار وتتناول وجوهاً وشخصيات معروفة وأصبحت علامات للثورة. كما أنه لم يغفل تخصيص مقطع في الجدارية لإبراز مشاركة النساء المصريات في التظاهرات التي اندلعت على مدار العام الماضي. وقدم طه القرني جداريتين سابقاً هما «سوق الجمعة» و«المولد» انحاز فيهما إلى أبناء الطبقات البسيطة في المجتمع المصري، واهتم بإبراز تفاصيل حياتهم اليومية وملامحهم الأصيلة، فضلاً عن تأريخ للثقافة والتراث المصريين. ودخل موسوعة غينيس للارقام القياسية عام 2007 بلوحته البانورامية «سوق الجمعة» كأكبر جدارية في العالم تمتد 23 متراً ولكن تعذر عليه عرض الجداريتين في الشارع في ظل النظام السابق.