معظمنا ان لم يكن جميعنا نعرف ان اقتصادات دول مجلس التعاون تعتمد اعتمادا كليا – بشكل مباشر أو غير مباشر– على مصدر ايرادات واحد هو البترول. كذلك معظمنا ان لم يكن جميعنا نعرف أيضا أن البترول مورد ناضب عمره الزمني (بالقياس لعمر الأمم) قصير يمر بنا سريعا كلمح البصر. لذا جميعنا (الأفراد والحكومة) متفقون على ضرورة إيجاد مصادر دخل بديلة (أو ماتسميه خطط االتنمية تنويع مصادر الدخل) ولكن يوجد اختلاف بيننا في وجهات النظر لاختيار المصادر التي يمكن اعتبارها مصادر دخل مستدامة. فالبعض منا يعتقد أن ما يسمونه الصندوق السيادي يمكن أن يكون أحد مصادر تنويع الدخل للجيل الحالي والأجيال القادمة. المشكلة أنهم يرتكبون أربعة أخطاء قاصمة للظهر: أولها يريدوننا الاقتداء بدول تختلف اقتصاداتها الصناعية عن اقتصاداتنا الريعية. وثانيا يبالغون في ارتفاع عوائد صناديقهم السيادية. وثالثا يبخسون عوائد صندوقنا السيادي. ورابعا يزعمون انهم أوّل من طالبوا بتأسيس الصندوق السيادي للمملكة. تعالوا نناقش بإيجاز هذه الأخطاء الأربعة: أولاً: من الخطأ مطالبتنا الاقتداء بالدول الصناعية (كالصين ونمور آسيا) التي يتم تمويل صناديقها بالأموال التي تحصل عليها ثمنا لتصدير منتجاتها الصناعية. ومن ثم تضطر للاحتفاظ بجزء من ثمنها في الدول المستوردة كي تستطيع استمرار تصدير صادراتها اليها. (أنظر زاوية السبت 6 ابريل 2013 بعنوان: «الصناديق السيادية مضيعة لنصيب الأجيال»). بينما صناديقنا السيادية يتم تمويلها باستخراج ثرواتنا الناضبة من مخازنها الآمنة والاحتفاظ بفوائضها المالية كاحتياطيات لسد عجز الميزانية نتيجة للتقلبات المفاجئة لأسعار البترول. ثانيا: يقولون في تغريداتهم – ويعظّمون بالقسم – ان عوائد الصناديق السيادية تتراوح ما بين 8 – 15 % وهذا افتراء يدل على جهل مطبق فالعبرة ليست بوعود السماسرة في قوقل ولكن العبرة بالعائد الصافي الذي يدخل فعلا جيب المستثمر نهاية كل سنة وهو لا يزيد عن عوائد صندوق المملكة إلا بالفتات (كما سنوضّح الأحد القادم عندما نتحدث عن صندوق النرويج). ثالثا: يؤكدون أن عوائد صندوق المملكة أقل من 1 % لأنهم يعتقدون ان استثماراته تقتصر على أذونات مدتها مابين تسعين يوما وأقل من السنة. ولا يعرفون بوجود سندات حكومية متوسطة وطويلة المدى (من 5 الى 30 سنة) وهذه المعلومة يمكن استنباطها من تصريح معالي وزير المالية بأنه لم يتقرر هل يتم تغطية العجز بالسحب من الاحتياطي أو عن طريق الاقتراض وهذا يدل أن الاستثمارات ليست قصيرة المدى (شبه سائلة) وبالتالي سيكون متوسط عوائدها حوالي 2.2 – 2.6 إضافة الى أنها غير معرضة لمخاطر الأفلاس وربما بعض عوائدها معفية من الضرائب Tax free. رابعاً: يزعمون –بدافع الفشخرة – انهم أوّل من طالبوا بتأسيس صندوق سيادي للمملكة. بينما الحقيقة أنهم يطالبون فقط بسحب صندوقنا السيادي من وزارة المالية وساما الموجود تحت إشرافهما منذ منتصف الطفرة الأولى (قبل 30 سنة) وتحويله الى سلطة مستقلة لا نأمن خداعها لتغامر بتحويشة عمر وزارة المالية ليحق القول: «مال مو مالك جر عليه السكينة». بربّكم يا من تنادون بإنشاء ما تسمونه صندوقنا السيادي أليس الأجدر بنا توحيد جهودنا للضغط سويا على المسؤولين عن التخطيط بترشيد استخراج البترول وصرف ايراداته على بناء اقتصاد وطني يشغّل أبناءنا ونصدّر صناعاته للخارج. وحينذك يمكننا إيداع فوائض بيع صناعاتنا للخارج فيما تسمونه صندوقنا السيادي كالدول الصناعية الأخرى بدلا من أن تطالبوننا بتسييل ثرواتنا الناضبة وايداعها في حصالة تحت وصاية الغرباء، نتوهم – حيث لا يفيدنا الوهم – أننا سنعيش عليها عالة كالقصّر. موضوع زاوية الأحد القادم – ان شاء الله – بعنوان: فانتازيا صندوق النرويج السيادي للعجزة والمتقاعدين.