البعض من كتابنا (وهذا يشكرون عليه) أخذ يذكّرنا بأن للأجيال القادمة نصيب في ثروة البترول ويطالب باقتطاع جزء من ايرادات انتاج وتصدير البترول ووضعه في حساب خاص باسم صندوق الأجيال القادمة ولكنهم (وهذا يلامون عليه) يقترحون تنمية أموال هذا الصندوق عن طريق زيادة استخراج البترول وتحويله الى أموال لاستثمارها فيما يسمى الصناديق السيادية لتكون بديلا عن البترول كمصدر للدخل يعوّض أجيالنا القادمة عن نصيبهم الذي نستخرجه بالنيابة عنهم. هذه الفكرة لاقت - على علاّتها - استحسانا في تعليقات معظم القراء وتأييدا من كثير من كتابنا الآخرين باستثناء - على حد اطلاعي المحدود - الأستاذ الفاضل عبدالله أبو السمح الذي نبّه (وهو هذه المرة جزاه الله خيرا على حق) الى المخاطر التي تحيط بهذه الصناديق السيادية في صحيفة عكاظ العدد 4136 وضرب مثلا بخسائر صندوق أجيال الكويت. الحقيقة التي تغيب عن بال هؤلاء الكتاب هي ان الصناديق السيادية ليست هي المكان المناسب للاحتفاظ بنصيب الاجيال القادمة لأنها فعلا ليست آمنة على المدى الطويل ( أعمار الاجيال القادمة) وهي كغيرها من الاستثمارات المالية بمسمياتها المختلفة قد تعصف بها فجأة رياح سوء الادارة والفساد وانخفاض عوائدها والتضخم وربما الافلاس، وعلى اضعف الايمان قد تتعرض للمراقبة والمضايقات من حكومات ووسائل اعلام الدولة المضيفة اذا شعرت بأنها تشكل عبئا على اقتصادها الوطني. ان الشيء الوحيد الذي يعوّض الاجيال القادمة عن نصيبهم من البترول هو ايجاد مصدر بديل حقيقي دائم للدخل (كالتنمية الحقيقية) في داخل أوطانهم وهذا هو الذي تنبّهت له ونصّت عليه خطة التنمية الاولى ولكن بعد ذلك ضاع هذا الهدف وسط الاهداف المائعة التي حشرتها وزارة التخطيط حشرا في خطط التنمية المتتالية كديكور لتغطية فشلها (على مدى أربعين عاما) في تحقيق الهدف الأول في الخطة الاولى والذي من اجل تحقيقه انشأت حكومتنا الرشيدة وزارة التخطيط . في ثلاث مقالات سابقة اخرها في زاويتي السبتية 4 يونيو 2011 بعنوان سياسات انتاج البترول (صندوق الاجيال القادمة) حذّرت فيها جميعا بأن لا نخدع (او نخدّر) انفسنا باستخراج نصيب اجيالنا القادمة من البترول واهمين اننا نحفظه لهم كاش في اي صيغة كانت بما فيها الصناديق السيادية بحجة انه سيأتي يوم يحرّج فيه ابناؤنا على ذهبهم الاسود فلا يجدون من يشتريه منهم. لقد قلتها عدة مرات واكررها الآن ان الصناديق السيادية قد تصلح لاستثمار الفوائض المالية لفترة مؤقتة عندما تنجح دولة صناعية (كدول اسيا) في تصدير منتجاتها الصناعية الى اقتصاد كبير كامريكا فتحاول ان تحافظ على هذا السوق مفتوحا لصادراتها فتبقي بعض فوائضها المالية تسهيلا لمعاملاتها التجارية وليس ادخارا لاجيالها القادمة. اما الدول البترولية فإن فوائضها المالية تنشأ عن انتاج وتصدير مادة ناضبة (هي مصدر دخلها الوحيد) لذا بقاء نصيب اجيالها في مخازنها تحت الارض اكثر امانا وسترتفع قيمتها مع الزمن أضعاف عوائد استثمارها في الصناديق السيادية. لايمكن ان نقارن بين ان نترك لأجيالنا القادمة آبارا خاوية وبين ان نترك لهم بقية من الذهب الاسود اذا خف استعماله في ناحية (كالوقود) زادت استعمالاته في النواحي الاخرى (كالصناعات). المقال القادم -ان شاء الله- سيكون بعنوان: اقتراح خصخصة وتفتيت ارامكو (مثال للتفكير الأهوج).