أرجو أن لا يزعل مني - من يعز علينا زعلهم - زملاء الأمس في وزارة المالية (أو حتى في مؤسسة النقد العربي السعودي من الشيخ حمد إلى نائبه الدكتور الجاسر) ولكن الحق حق ويجب أن يقال: ان التصريحات المتوالية التي تصدر من صناع قرار سياساتنا الاقتصادية (سواء: السياسة المالية أو السياسة النقدية) لا سيما تصريحاتهم عن: تمسكهم بعدم رفع سعر صرف الريال بالنسبة للدولار وطريقة نظرتهم وعلاجهم للتضخم وطرق استثمار الفوائض لا تسر - إلى حد كبير - الأصدقاء وتضحك علينا الأعداء. السؤال هو: ماذا تريدون أن تفعلوا بالفوائض المتراكمة التي تزداد كل يوم من غير أن يرى منها الشعب السعودي غير ارتفاع الأسعار؟ الشيء الوحيد الذي يطمئنني هو تصريح الدكتور العساف بأن المملكة لا تنوي انشاء مايسمى: صندوق سيادي. الصناديق السيادية للذين لا يعلمون هي: صناديق طفرة معرضة ليس فقط لمخاطر انخفاض العائد - وفقا لتقلبات اسعار الأسهم والسندات - بل معرضة كذلك لمخاطر افلاس الشركات والبنوك المصدرة لها وفقدان جزء من رأس المال. ناهيك عن المضايقات ونظرة الريبة في الدول المضيفة ومخاطر تجميد أموالها وربما المصادرة على أقل زلة - حتى لو كانت بحسن نية أو عن جهل - فحسن النية والجهل بالقانون (كما تعلمتم من دروس سوق الأسهم لدينا) لا يحميان طيبي النوايا والمغفلين. اآخر شيء يجب أن تفكر فيه المملكة هو أن تفكر في انشاء صندوق سيادي - كما يقترح الكثيرون لدينا - من أجل استثمار (أو حفظ) ما يسمى: نصيب الجيل القادم اقتداء بصندوق الكويت. ماهو البديل اذن؟ الجواب: لا يوجد بديل أفضل للأحتفاظ بنصيب اجيالنا القادمة من الاحتفاظ بالبترول تحت الأرض غير شيء واحد - يجعلنا نطمئن على مصير الجيل القادم - هو: التصنيع. عليكم بالصناعة ولا شيء غير الصناعة والا سألتكم الله (و "لا يرد من يسأل بوجه الله" . حديث نووي) أن تحتفظوا بنصيب أجيالكم القادمة من الذهب الأسود تحت الأرض. سيقول البعض: الصين والنرويج والامارات والكويت وبعض الدول الأخرى عندهم صناديق سيادية هل أنت تفهم اكثر منهم؟ ماهذه الخرابيط (كما وصف احد المعلقين - سامحه الله - كتابتي عن انتاج البترول) التي تكتبها لنا يا سعادة الدكتور؟ الصين يا احبائي لا تسثتمر في صندوق سيادي من أجل أجيالها القادمة (لأنها ستورثهم من الصناعة والمصانع ما يكفي وينافس العالم في التصدير) وانما تحتفظ الصين بهذه الصناديق مؤقتا لتسوية حساباتها الجارية (ك: الحصول على التكنولوجية لتعزيز صناعتها وتغطية العملة) وفي نفس الوقت تريد أن تحصل على عوائد في المدى القصير اعلى - رغم المخاطر - من لو تركت فوائض تجارتها مع أمريكا في خزائن البنوك. أما النرويج فصندوقها أيضا لم يسمّ: صندوق الأجيال القادمة بل هو صندوق لجيل المتقاعدين (أي صندوق من أجل السلف وليس من أجل الخلف) ولقد خسرت النرويج في صندوقها السيادي مؤخرا واستقال (أو تم طرد) المشرف على ادارة صندوقها السيادي وربما تغيّر النرويج نظرتها تجاه هذه الصناديق فهي كل يوم تشرّع قوانين جديدة لمقاطعة اسهم بعض الشركات التي تقول انها لا تتفق مع مبادئها (ك: شركات السجاير والشركات ذات العلاقة بالأسلحة كالبوينق) وآخرها مقاطعة اسواق (وول مارت) أكبر سلسلة متاجر للأغذية والملابس بحجة مخالفتها لحقوق المرأة والعمال. الدول الأخرى (أغلبها نمور اّسيا) صناديقها السيادية هي استتمار لفوائض تصدير منتجاتها الصناعية (وليس تصدير مورد ناضب) وينطبق عليها ما ينطبق على الصين. أما شقيقاتنا الكويت والامارات وأخيرا قطر فان ضيق المساحة الجغرافية وانخفاض عدد السكان والتركيبة الأجتماعية قد تجعلهم يعتقدون (وبالذات ابوظبيودبي وقطر) أن الاتجاه إلى الصناديق السيادية تلائم خصوصية أوضاعهم ولكن رغم تشابه ظروف شقيقاتنا الثلاث إلا انه لكل واحدة فيهم قصة بداية مع هذه الصناديق تختلف عن الأخرى وتستحق أن نرويها لكم. بالنسبة للكويت فهي أول دولة تنشىء صندوقا سياديا (يسمى: صندوق الأجيال القادمة) ورثته عام 1953من الوصي البريطاني قبل الاستقلال. وفي اعتقادي ان الكويت أصبح لديها خبرة في ادارة هذه الصناديق تجعلها أقل اندفاعا من ابو ظبي ودبي في اختيار نوع الاستثمار. اما الامارات (ابو ظبي ودبي) فقد وجدت نفسها مدفوعة دفعا إلى هذه الصناديق بعد ان سدت في وجهها أبواب الأستثمار الأخرى كصعوبة تملك الاصول الثابتة بشكل مباشر (بسبب فرض القيود عليها من الدول المضيفة ومطالبتها بالشفافية) وما عانته مؤخرا من مضايقات في دول الاتحاد الأوربي جعل دبي تهدد بنقل صندوقها إلى خارج الاتحاد الاوربي ولكن الأمر يبدو كالمستجير من الرمضاء بالنار فأين ستنقل دبي صندوقها وهي لاتزال لم تفق بعد من لكمة اعتراض الكونقرس على تشغيلها للموانئ الأمريكية فخسرت كل ما انفقته في سبيل ذلك ورجعت في النهاية بخفي حنين. اما شقيقتنا الصغرى قطر فهي لازالت مبتدئة وجديدة على الكار (لم تتضح بعد معالم انواع استثماراتها - ونتمنى لها حظا سعيدا-). المملكة لديها جميع مقومات التصنيع (الأرض ورأس المال والشباب العاطل) ولكن ينقصنا أن تغيّر وزارة العمل سياستها فبالإضافة لتوجيه الشباب إلى السوبرماركت وحراسة البنوك يجب وضع الثقة فيهم ومن ثم تدريبهم وتشجيعهم على دخول مجال الصناعة. سنواصل - ان شاء الله - الأسبوع القادم بعنوان: سياسات المملكة الاقتصادية (الصندوق الصناعي)