أن تتهم أصل الفضائل ومتنها وقلبها وحاضنها(الحرية) بأنها في أي ظرف ولأي سبب، قد تكون مقابلاً أو عنصراً أو مكوناً من مكونات الإرهاب.. فذلك من توالي الخطوب وانتهاك الضمائر وقتل المهج الحية والفطر السوية.. إن الأخلاق تُثبت فسقها إن وجدت بدون حرية.. والمثُل تعلن إفلاسها إن لم تحتمِ بإطار الحرية.. إن الأمانة تعلن فضيحتها إن تسربت لفضاء آسن يعلن الحرب على الحرية.. والعدل يتهاوى في بؤر الظلمة والظلم إن لم يسطّر أحكامه بحرية.. إنني حينها فقط أتفهم قول (إن الكلمة هي أشهر شهيد في التاريخ، إنها أشهر ملوث، أشهر ملوث به.. إنها أشهر مكذوب عليه... أشهر مكذوب به).. كيف عندما تكون الشهادة في حق أسمى الكلمات؛ الحرية.. في أرض الاستبداد (قد يكون تحطيمك لصنم ما تشييداً لصنم أعظم، قد يكون هذا هو قصدك.. قد يكون البشر كلهم مثلك، لايحطمون الأصنام، لاينوون تحطيمها، لايطيقون تحطيمها، وإنما يتوزعون، يتنقلون بين أصنافها بلا حرية، بلا كرامة).. هل يمكن أن تؤمن بوجود إنسان لايؤمن بحق حريته؟! هل يمكن أن تصادف امرءاً يدّعي الكرامة وهو يدوس على حريته؟! أم يمكنك أن تؤمن بمصداقية إنسان لايملك حرية تبني أفكاره؟!.. هذا هو الإنسان؛ عابد الصنم.. صحيح (إن الحرية هي التعود على السير في طريق مسدود بالمتناقضات والأحزان)؛ لكن علينا أن (نتعلم الحرية كما يتعلم الأعمى السير بين حقول المهالك مبصراً بعصاه)؛ لأن الحرية تعني الإنسان.. فالإنسان صنو الحرية.. ما بين الأقواس من كتاب عاشق لعار التاريخ لعبدالله القصيمي رحمه الله.. الإنسان كائن جدلي بطبعه؛ للفكر الجدلي خاصية توافقية مع الفطرة السليمة المتسقة مع العقل في مسؤولية التفكر والتدبر...لذلك رفع القرآن الكريم سقف الجدل، فكان الحوار بين الله وأنبيائه عن أمور الخلق والتكوين والوجود والتوحيد.. وعلى مستوى المساواة التامة؛ يتجاوز المحاور حق اختلافه في إبداء وجهة نظر مختلفة، ليقف على مسافة واحدة مع محاوره مبدياً حسن الفهم الجدلي"وإنا أو إياكم لعلى هدىً أو في ضلال مبين" هذه هي القاعدة الأصلية المعتبرة في إقامة الحوار، وما دونها تضليل.. فالفكر الجدلي في القرآن لا يمكن أن يكون عبارة عن أسر وإكراه وإرغام بل علاقة جدلية تبتغي المصلحة العامة المتمثلة في تمكين القيم العليا.. وكمبدأ أخلاقي سلمي؛ يعلم المحاور أن محاوره لا يريد تسقّط العثرة بل يسعى للكشف والتوضيح وزيادة خبرته المعرفية بالتعرف على وجهات نظر مختلفة، وبالتأكيد جيدة؛ لأنها تفتح النظر على تعدد الوجهات لا الإكراه والإجبار لحساب وجهة نظر معينة.. فلا يحق لك الحضور بقناعات مسبقة مسيجة لتجبر الجميع على اتباعك، بل لتطرح وجهة نظرك فقط وتمضي.. لكن؛ ما أن تنطلق الرؤية الحوارية من المخزون الذهني للعقائد والمسلماّت إلا ويطغى على الجدل الواحدية المطلقة "الأرثوذكسية" فيغدو حظ الحوار عاثراً محكوماً بالفشل.. ومنتهياً بالتهديد بالعقوبات.. فقد يطرح الشخص تساؤلاً أو وجهة نظر ربما تكون ملتبسة لديه؛ يريد أن يمخر عباب مجالها بالاختبار، بإثارة السؤال، بطرح الأفكار، بتبادل وجهات النظر، باستخدام أوجه الحجاج العقلي.. فيجد العقاب بانتظاره؛ ويفاجأ بسيل التنكيل به وتعزيره بل وأحيانا بتصفيته وقتله، وكأنه ألزم أحداً بفكره أو طالب بتطبيق رأيه، بينما الأمر لايتعدى مجرد طلب استدلال أو بحث عن حكمة خلف جدل المحاججة العقلية.. هنا تثق بأنه إزاء أجنحة الأفكار الحرة ثمة كمائن تفرضها سجون الأصنام ومن خلفهم العبيد.. إن صحة النظر لا تتوفر إلا بعد التردد، وتفويض أمر التمييز إلى العقول، فالإنصاف في الحجاج يتطلب صنعة حوار شكية لا توفرها اليقينية المطلقة، وهذه قيمة الغياث المعنوي إذ يدر بأفكار متنوعة منفتحة على متعدد، دون غلظة أو تعد.. تطرح في أجواء من السلم الحواري المدني الراقي.. في رحلة الأحرار الجدلية يمثل الاهتداء إلى الحق الغاية القصوى لقلق الوجود.. وضوح هذه الغاية من أعظم سبل الدلالة على الحق والدعوة إليه.. لذلك كان من أهم مقاصد الجدال ليس الغلبة والعلو بل الوصول للحق، وهي غاية سماوية بارزة، في استخدام الوسيلة السلمية (وجادلهم بالتي هي أحسن) ولغاية سلمية (لعله يتذكر أو يخشى) وصولاً لنتيجة حرة سلمية أيضاً (من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى). وعلة الملاطفة للبعد عما يسبب الغضب والشخصنة وإغلاق منافذ التقبل الحر، العقول المهذبة بهدي وقيم الإنسانية تؤمن أن الإنسان لايصل للحق بالتهديد ولا بالإكراه ولا بالإرغام بل بالهداية.. هذا شأن القرآن مع المشركين فكيف مع مسلم يوحد الله.. يبتغي الهداية والرشاد لا الإذلال والإفحام.. فهداية الإكراه هي هداية الضعفاء المشككين في قدرة الدين على تبيان الحكمة.. إن قيمة الدليل في المنهج، وإثبات الحجة لا قيمة لهما بدون تأصيل حرية التفكير والجدال.. إن نفوس الأحرار تمتلئ بإيمان "لايضركم من ضل إذا اهتديتم" يلاحظ هذه الخاصية؛ "السعادة بالإيمان الفرداني" من كان على جبهة التطرف وعدل عنها كيف تسامحت نفوسهم مع المختلف، ومقارنتها بالحالة السابقة من البطش والكراهية، ما يهب القيمة للحرية في إنعاش مسيرة التسامح للنفوس وتحقيق السعادة.. دعك من الفضائل الموهومة وانظر للفضائل الحقيقية ؛ فضيلة العلم والمعرفة والأخلاق والعطاء والتقدم والحضارة، جميع الفضائل العظيمة لا تنبت في بيئة الاستبداد مطلقاً، فالحرية شرط الإبداع والابتكار.. إن العجب لا ينتهي من تصريح أحدهم "إن الدعوة إلى الحرية هي سبب الإرهاب".. كيف لعاقل راشد أن يحمّل أس فضائل الدنيا "الحرية" مسؤولية مخزية بحجم الفكر الإرهابي، أي عقول تتسنم المناصب الدينية وتجفو بهذا التخلف المعرفي والأخلاقي الخطير.. وأي عقلية ممكن أن تتقبل رجم الحرية بهذه الفرية الكبرى؛ فرية الإرهاب؟! إن الله والملائكة والأمناء لايتقبلون منك عملاً بلا حرية.. مجمل ذلك التصريح"إن الذين يدعون للحرية هم دعاة ضد الدين، ويجب علينا أن يكون لنا موقف صريح تجاه هؤلاء الليبراليين المنفتحين".. هذا الحديث تم خلال مؤتمر حول الإرهاب والتطرف بحضور أئمة ودعاة من السعودية.. ونحن نعلم أن جميع المتورطين في قضايا الإرهاب هم متطرفون من أصحاب التوجه الديني المتطرف، ولم ولن يسجل أي "ليبرالي"، مع التحفظ على المسمى، رقماً واحداً بينهم.. في المجتمعات المستبدة لا تتمكن الأصنام من القبض على الأفكار؛ فالأفكار لها أجنحة، فيتسلطون بقدرتهم على الاستبداد بأصحابها.. تورط الشباب في اعتناق الأفكار المتطرفة التي تؤمن بطغيان الرأي الواحد، وتجرم الحرية، وتحمل مفهوم السلفية كانبتاتٍ عن الواقع وانغلاق على الموروث هو أس ما نحن فيه من التشظي الكاره والغاضب الذي يظهر بأشد صوره الإجرامية في فضاء تويتر خاصة بعد الحالة الإرهابية القصوى (داعش) إن المفهوم العام لهذا الخطاب يتهم الإسلام بأنه دين الاستبداد، بما هو ينظر للحرية كرذيلة يعاقب عليها من ينادي بها.. بينما حق الحرية حق مضمون في الإسلام، ومن يقل سوى ذلك فهو يضر الإسلام من جهتين: *المساهمة في تكريس النظرة الإرهابية للإسلام في مسائل تتعلق بالحرية كالردة مثلا. *التشكيك في قدرة الإسلام كدين مؤثر بقيمه ومبادئه، ليتولى سجن أفراده ومحاصرتهم بالتخويف والإكراه والإرهاب.. إن تورط الشباب في اعتناق الأفكار المتطرفة التي تؤمن بطغيان الرأي الواحد، وتجرم الحرية، وتحمل مفهوم السلفية كانبتاتٍ عن الواقع وانغلاق على الموروث هو أس ما نحن فيه من التشظي الكاره والغاضب الذي يظهر بأشد صوره الإجرامية في فضاء تويتر خاصة بعد الحالة الإرهابية القصوى (داعش).. يعبر أحد مقاطع الفيديو لفئة من داعش تعذب شباباً سعوديين في أحد السجون، وتقوم بقهرهم وإيلامهم وتطلب من أحدهم أن يصفع الآخر ويردد عبارات التكفير ما تطفح به هذه الموبقات الذهنية والعوائق المعرفية التي تنطق بالكره والبغضاء والغلظة والقسوة والإرهاب.. منظر يصور مأساة فكر الإرهاب الذي سد باب الحرية وأشرع بوابات الاستبداد.. منظر مخز يستنهض مسؤولية الذمم والضمائر عن تعلق هؤلاء الشباب بهذا الفكر الإرهابي.. الذي يدجن الإنسان سلوكياً وذهنياً ووجدانياً ويديم السيطرة عليه، فيوجهه لمواقع الفتن والخزي الإرهابي ليَقتل ويُقتل، ويوجب تحديد الجاني" الصنم" قبل المجني عليه" المستعبَد".. ليتم عقابه وكف شره.. ختاماً: اليوم؛ ونحن نعيش تشظي الإرهاب؛ تتجاوز بنا نقطة التحدى الدفاع عن القيم في ظل تغليب المصالح الحزبية والفئوية، إلى الدفاع عن القيم في أصل مكونها"الحرية".. فإنقاذ الحرية من سلطة المستبدين يعادل إنقاذ الإنسان..