الحرية كما نعنيها هي تفاعل منظومة الحقوق المتعددة التي تنهض على ركيزتين أساسيتين هما: الإنسانية والمعيارية ذات الحضور الفاعل في واقعنا الثقافي الديني الممتد عبر العديد من المجالات. وبداية يمكن القول إن سمة الحرية المميزة للحرية لدينا تبدو واقعاً في حركة الناس وفي آلية الإنجاز نحو حصولها على حقوقها كاملة في التعليم والصحة والعمل والسكن والتنقل والتعبير فيما يريد.. إلى ما هو أكثر من ذلك وفقاً لمعطيات المكون الثقافي للمجتمع والناقد لكافة المجالات شريطة الالتزام بالقيم الأخلاقية وثقافة المجتمع الراسخة عبر التاريخ الإنساني السعودي المجيد. والذي يبدو واضحاً في المكونات الثقافية أياً كان وزنها النسبي، غاية الأمر أن عناصرها تتمثل في: - سمو الهوية الثقافية الخاصة في المكون الثقافي العام. - حرية تناول المدخلات الثقافية وتفعيلها وفقاً لمبادئ المرجعية الدينية، والتعامل مع مخرجاتها المتنوعة ذات الخصوصية العربية. هكذا تتجسد ثقافة الحرية لدينا من منظور الجماعة الرشيدة وليست من منظور أحادي اختلافي ذو أطروحات انغلاقية تقليدية ذات هوامش غيرية تكرس التبعية على مظنة أنها أكثر حرية وانفتاح. ونقول لهؤلاء الواقفين على ضفاف التعبية إن الحرية ليست افتراضاً على القيم الدينية، وليست شعاراً أو مصطلحاً مفاهيمياً للمرغوب فيه والمرغوب عنه في السلوك الإنساني لأن الحرية ممارسة عملية أو سلوك إجرائي نشط فإن التزم بالمعايير والقيم الأخلاقية صار سلوكاً حميداً وإذ لم يكن صار مفسدة. فالحرية إذن مسؤولية اجتماعية وسعي دؤوب نحو النهضة والتطور، وهي التزام أخلاقي -كما ذكرنا آنفاً- حتى لا تطغى وتستبد بالآخرين وتنال من حريتهم مما يؤدي إلى قصور في الضمير الوطني العام. ويرى بعض المفكرين أن الحرية تعني القدرة على الاختيار مما يتأكد معه وجود الإنسان بل يعتبر الاختيار هو أساس وجوده حيث قدرته على التمييز بين الحق والباطل وبين الأضداد، وبين السواء واللا سواء في السلوك الإنساني عنواناً مثل: «أقود السيارة بنفسي»، فهذا القول وحسب ثقافة المجتمع والنسق القيمي الأخلاقي يصبح الأمر نسبياً من ثقافة مجتمع عند آخر فيعتبر سوياً هناك ولا سوي هنا. وصاحب إرادة الاختيار الحر قد يجانبه الصواب في ذلك الاختيار أو ذاك، وقد يرجعه إلى بعض العوامل والأسباب الخارجية حتى لا تمتهن إرادته. وهذا ما يجعلنا نؤكد مراراً أن الحرية التزام أخلاقي ويتوجب على الإنسان أن يتحرى في سلوكه المعايير الأخلاقية عقلا ووجداناً والنواتج الأخلاقية لذلك السلوك وتوابعه والفعل بما ينبغي أداؤه حسب القيم الإنسانية في ضوء أفكار وأهداف موضوعية يمكن لعقولنا أن تحللها وأن تستوعبها إرادتنا مع الوضع في الاعتبار أن الإنسان في ممارسته للسلوك الفعال المختار بإرادته هو مسؤول عنه مسؤولية كاملة فكل فعل يقابله مسؤولية اجتماعية وقانونية وحسب شروط معينة لأركان الفعل. ويتضح إذن بل وفي قناعتي أن المتعاملين مع «الفيس بوك» أو المجاهدين بطلب الحرية المطلقة وإطلاق إرادة الاختيار يواجهون مشكلة حقاً هي مشكلة الحرية وإرادة الاختيار. ولعي أضع أمام القارئ الكريم قوله تعالى في حرية إرادة الإنسان والاختيار وأنه مسؤول مسؤولية كاملة عن أفعاله فيقول الله تعالى: {مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا}، وقال تعالى: {فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ} صدق الله العظيم.