قبل فترة شاهدت على محطة ال BBC برنامجاً بعنوان « لغز إنسان الهوبيت».. ويتحدث البرنامج ( الذي بث بتاريخ 22 سبتمبر المنصرم) عن سر الهيكل العظمي الصغير الذي اكتشف في جزيرة فلورس الاندونيسية.. فقبل عام تقريباً اكتشف احد العلماء هيكلاً عظمياً صغيراً في احد كهوف الجزيرة. ورغم أنه بدا بشرياً إلا أن طوله لم يتجاوز المتر في حين لم يزد حجم الدماغ عن البرتقالهة العادية. ولأول وهلة ظن العلماء ان الهيكل لطفل صغير، غير أن طبيعة العظام ونسبة التحامها أظهرت أنها لأنثى بالغة لايقل عمرها عن الثلاثين عاماً.. ولأن الهيكل لا يتفق مع القياسات الحديثة- ولا القديمة للبشر- افترضوا أنه لجنس بشري مختلف عاش على الجزيرة قبل 18 الف عام.. غير أن البرنامج (ويدعى هورايزون) استعرض ايضاً بعض الآراء المعارضة- مثل إصرار احد العلماء الاندونيسيين على ان الهيكل يعود لإنسان عادي مصاب بمرض نادر يسبب صغر الحجم وضمور الدماغ (يدعى microcephaly )!!! على أي حال هذه ليست المرة الاولى- ولن تكون الأخيرة- التي تكتشف فيها هياكل غريبة اومختلفة عن هياكلنا العظمية. فقبل مائة عام تقريباً اكتشفت ثلاثة هياكل بشرية ضخمة في ولاية بنسلفانيا بلغ متوسط أطوالها مترين وعشرين سنتمتراً. وفي عام 1937 كشف فيضان في منطقة براورسفيل في ولاية انديانا عن هياكل ضخمة مشابهة جرفتها المياه.. ورغم أنها بدت بشرية إلا ان طولها الهائل وعددها الكبير (سبعة) جعل البعض يفترض أنها لأجناس بشرية مختلفة لم يعد لها وجود!! وفي الحقيقة بدأ علماء الاحافير اليوم يتقبلون فكرة وجود اجناس بشرية مختلفة ظهرت قبل الانسان الحالي. فقبل مائة الف عام مثلاً كان هناك «انسان اريكتس» الذي وجدت آثاره في إندونيسيا والصين و «انسان النندرتالز» الذي عاش في اوروبا وفلسطين و «الإنسان الحديث» الذي عاش في افريقيا والشرق الاوسط.. ليس هذا فحسب بل مرت فترات عاش فيها جنسان بشريان او ثلاثة في نفس المنطقة بدون ان ينتج عنهما جنس هجين ( وهذا وحدة دليل على اختلافهم التام).. فالإنسان مثلاً عاش مع انسان النندرتالز فترة مشتركة تقدر ب 30 الف عام ( قبل ان يختفي الاخير منذ 25 الف عام فقط).. وهذه الحقيقة تم التأكد منها من خلال المقابر المشتركة لكلا الجنسين- والتي تظهر بأفضل صورها في مقابر جبل الكرمل في ضواحي الناصرة بفلسطين!! أما إن أردنا الحديث عن وجهة النظر الإسلامية بهذا الموضوع فما من شك ان الارض كانت مهيأة وعامرة بالحياة قبل نزول آدم عليه السلام، فحين اخبر الله ملائكته بأنني ( جاعل في الارض خليفة) قالوا عن سابق تجربة ( أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء). وعن هذه الآية قال عبدالله ابن عمر: ظهرت الجن قبل آدم بألفي عام فسفكوا دماء الناس فبعث الله إليهم جنداً من الملائكة فطردوهم الى جزائر البحور. وقال بعض العلماء: لم يكونوا من الجن بل كانوا بشراً من لحم ودم واستدلوا على ذلك بقوله (يسفك الدماء).. كما استدلوا على تكرار الاجناس وتتابع الخلق بقوله تعالى ( كما بدأنا أول خلق نعيده)، وبهذا الخصوص يقول المسعودي « إن الله سبحانه خلق في الأرض قبل آدم ثمانياً وعشرين أمة على خلق (بكسر الخاء) مختلفة». أما في عصرنا الحالي فيفرق الدكتور عبدالصبور شاهين بين كلمتي (بشر ) و (إنسان) في كتابه «أبي آدم». ويستشهد بآيات كثيرة تثبت أن (البشر) لفظ عام اطلق في القرآن على كل مخلوق عاقل سار على قدمين منذ خلق الارض. أما الإنسان فلفظ خاص ببني آدم الذين كلفهم الله بالعبادة والتوحيد وبدأت سلالتهم بالظهور منذ آدم عليه السلام!! وبناء عليه نقول: ليس لدينا مانع في تقبل حقيقة وجود اجناس بشرية ظهرت قبلنا ولكن بشرط واحد فقط: عدم الادعاء أنها اجناس بدائية تطور منها الانسان الحالي..