يمكن القول إن حصاد عام 2014 السياسي المتصل بسياسة فرنسا الداخلية مريح جدا بالنسبة إلى اليمين التقليدي، فقد توصل خلال السنة المنتهية إلى لململة بعض جراحه التي لا يزال يعاني منها منذ انهزامه في أعقاب الانتخابات الرئاسية الماضية. وأما أحزاب اليسار الحاكم فإنها بدت فعلا منقسمة على نفسها أكثر مما كان متوقعا. وبدا معها الرئيس الفرنسي عاجزا عن فرض نفسه أحيانا على وزراء الحكومة برغم مشروعه الإصلاحي الرامي إلى مصالحة اليسار مع رأس المال والسماح لفرنسا بالانخراط في منظومة العولمة على نحو يتيح لها الثبات أمامها. لوبين وبداية الطريق إلى الإليزيه وإذا كان ثمة شخصية سياسية فرنسية واحدة يحق لها أن تنهي عام 2014 وأن تبدأ عام 2015 وهي مرتاحة كثيرا لأدائها السياسي خلال العام المنقضي، فهي بلا شك مارين لوبين زعيمة حزب " الجبهة الوطنية" اليميني المتطرف. وأهم إنجاز حققته خلال العام المنتهي أنها خرجت منتصرة في أعقاب الاستحقاقات الانتخابية التي جرت في البلاد وأهمها الانتخابات البلدية التي نظمت في شهر مارس والانتخابات الأوروبية التي نظمت في شهر مايو. ففي أعقاب الانتخابات البلدية، أصبح حزب " الجبهة الوطنية" اليميني المتطرف يدير قرابة عشر مدن متوسطة الحجم، وأصبح لديه أكثر من 1300 مستشار بلدي. وكان خصوم الحزب يقولون عنه في عام 2013 إن افتقاره إلى الكوادر المتوسطة والعالية نقطة من نقاط ضعفه لأن افتقاده لمثل هذه الكوادر لايؤهله مبدئيا إلى إدارة الحكم . ولكن حزب مارين لوبين استطاع خلال عام 2014 إنشاء شبكة قوية من هذه الكوادر التي يتحدر جانب هام منها من أحزاب اليمين التلقيدي بينما يأتي جانب هام من ناخبي الحزب من الفئات الشعبية الفقيرة التي كانت من قبل تصوت لصالح اليسار. كما استطاعت مارين لوبين خلال عام 2014 تحقيق انتصار كبير في أعقاب انتخابات البرلمان الأوروبي في شهر مايو الماضي. فقد حصل حزبها على قرابة 25 في المائة من أصوات الناخبين، وأصبح بذلك أول حزب سياسي في البلاد. وكان الحزب ذاته قد حصل على 6 فاصل 34 في المائة من أصوات الناخبين في أعقاب انتخابات البرلمان الأوروبي عام 2009. ويقول خصوم هذا الحزب إن دوره ودور الأحزاب اليمينية المتطرفة داخل البرلمان الأوروبي محدودان جدا وأن أزمة انعدام ثقة ناخبي دول الاتحاد الأوروبي في المؤسسات الأوروربية الموحدة أو المشتركة هي التي سمحت لحزب "الجبهة الوطنية " اليميني المتطرف، شأنه في ذلك شأن أحزاب اليمين المتطرف في دول أوروبية أخرى، بتسجيل اختراق كبير في أعقاب انتخابات البرلمان الأوروبي الأخيرة. والحقيقة أن مارين لوبين زعيمة اليمين المتطرف لا تدحض هذا الرأي. بل إنها تقول في الخفاء والعلن إن مايهمها اليوم أن يثق بها وبحزبها الرأي العام الفرنسي وعليه أن يجربها على رأس هرم السلطة، فإذا نجحت فياحبذا وإذا فشلت، فمن حق الفرنسيين أن يحاسبوها حسابا عسيرا عبر صناديق الاقتراع. وهذا الخطاب يغري الناس ويجعل شرائح كثيرة من المجتمع الفرنسي ترى أن احتمال انتخاب مارين لوبين رئيسة للجمهورية الفرنسية في عام 2017 أصبح احتمالا مقبولا لاسيما وأن مارين لوبين نجحت إلى حد كبير في الظهور أمام الرأي العام بوصفها حريصة على تجنب الخطاب الاستفزازي على عكس والدها جان مارين لوبين مؤسس حزب " الجبهة الوطنية" وزعيمه السابق. ساركوزي ومعارك الزعامة لدى اليمين التلقيدي وفي ما يتعلق باليمين التقليدي، يمكن القول إن أهم حدث سجله خلال العام المنقضي هو عودة الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي إلى المشهد السياسي من خلال إعادة انتخابه رئيسا لحزب " الاتحاد من أجل حركة شعبية". وكان هذا الحزب قد شهد في عام 2013 أزمة داخلية كادت أن تعصف به بسبب معارك الزعامة. وكان أنصار نيكولا ساركوزي يلحون عليه في العودة إلى المشهد السياسي وإنقاذ الحزب والبلاد من أزمات كثيرة منها أزمة انسداد الآفاق أمام فرنسا جراء عجز الطبقة السياسية برمتها عن تحديد خريطة طريق واضحة المعالم تتيح للفرنسيين الثقة بالمستقبل. وفعلا نجح نيكولا ساركزوي في التاسع والعشرين من شهر نوفمبر الماضي في الفوز بمنصب رئيس حزب "الاتحاد من أجل حركة شعبية " قاطرة أحزاب اليمين التقليدي. ومع ذلك فإن ساركوزي يعلم اليوم أن هذا الفوز الذي كان منتظرا من قبل أنصاره لم يكن في مستوى آمال الرئيس الفرنسي السابق. فساركوزي حصل على 64 فاصل 5 من أصوات أعضاء الحزب والحال أنه كان حصل في أعقاب انتخابات مماثلة جرت عام 2004 على 85 في المائة من أصوات ناخبي الحزب. واستطاع برونو لومير الذي كان وزيرا في عهد ساركوزي الحصول على قرابة 30 في المائة من أصوات الناخبين. ولدى هذا الوزير السابق اليوم طموح كبير في أن يصبح يوما ما رئيسا للجمهورية. واتضح أيضا من خلال أحداث عام 2014 أن مشروع الرئيس الفرنسي السابق الرامي إلى العودة إلى قصر الإيليزيه لايزال محفوفا بالمخاطر. فمعارك الزعامة لدى اليمين التقليدي مهيأة إلى التصعيد مجددا حتى بعد عودة ساركوزي الذي اكتشف أن الفرنسيين غير متحمسين كثيرا لعودته إلى النشاط السياسي وأنهم يفضلون عليه آلان جوبيه رئيس الوزراء الأسبق، إذا كان لابد من اختيار شخصية من الشخصيات اليمينية التقليدية المؤهلة لإدارة البلاد انطلاقا من عام 2017. هولاند وكابوس البطالة وأما أداء اليسار بشكل عام والحزب الاشتراكي الحاكم بشكل خاص خلال عام 2014 ، فإنه يبدو ضعيفا. وكل أصابع الاتهام موجهة اليوم إلى الرئيس الفرنسي الحالي فرانسوا هولاند. وبالرغم من أن كثيرا من خصومه يقرون بأنه استطاع خلال العام الجاري التحرك بشكل شجاع لإطلاق مشاريع إصلاحية من شأنها التخفيف من القيود المفروضة على المؤسسات الاقتصادية، فإنهم يأخذون عليه عدة مآخذ من بينها أن هذه المشاريع جاءت متأخرة وأنه كان يفترض أن يطلقها عام 2012 أي خلال السنة التي وصل فيها إلى سدة الحكم. وكان هولاند عند وصوله إلى السلطة قد وعد بالتزام الشفافية في كل شيئ، فأصبح خصومه يأخذون عليه عدم قدرته على تسوية بعض الملفات المتعلقة بحياته الخاصة وكثير من الملفات المتصلة بالشأن العام بشكل واضح وشفاف وصارم. ويقولون إنه كان يفترض أن يكون هولاند حازما منذ بداية عهده لا سيما مع وزراء الحكومة التي كان يترأسها جان جاك إيرولت والحكومة الحالية التي يقودها مانويل فالس ومع نواب الحزب الاشتراكي في مجلس النواب ولاسيما أولئك الذين يعترضون على المشاريع الإصلاحية التي بدأ فيها الرئيس الفرنسي متأخرا والتي يعتقد هؤلاء النواب أنها تخدم اليمين وتولي ظهرها مصالح الفئات الفقيرة والمتوسطة. وبرغم الخسارة التي مني بها الحزب الاشتراكي في أعقاب الانتخابات البلدية والبرلمانية التي جرت في العام المنقضي وتلك التي ينتظر أن يمنى بها في أعقاب الانتخابات الإقليمية خلال عام 2015، فإن كابوس الرئيس الفرنسي الحالي هو البطالة التي ارتفعت نسبتها خلال العام المنقضي. ويظل الرئيس يردد لزواره أن تقويم أدائه ينبغي أن يتم في نهاية مدته الرئاسية وأن يقوم انطلاقا من قدرته أو عدم قدرته على معالجة ملف البطالة. نيكولا ساركوزي مارين لوبين آلان جوبيه