"ما الذي يمنع وجود دور سينما لدينا؟"، سؤال يُطرح عادةً من قبل أفراد المجتمع، لتأتي الإجابة غير مقنعة، فتضيع الفكرة الرئيسة، ونكتفي فقط بمناقشة أمور لا تمت للموضوع نهائياً. ويُخطئ الكثير في نظرتهم ل"دور السينما"، حيث إن هناك من يراها وسيلة ترفيهية فقط، بينما هي أكثر من ذلك، حيث تُعد وسيلة ثقافية قبل أن تصبح وسيلة إمتاع، وما يقدم فيها لا يقل أهميّة عن أي فنّ آخر، ف"الأفلام" ليست بالأمر الجديد علينا، وقد حصل عليها الكثير من قبل أسواق "الفيديو"، ليبقى السؤال: لماذا التخوف من دور السينما؟، وماذا لو كانت بضوابط محددة، وأصبحت "الأفلام" مراقبة؟. وتُصنّف "دور السينما" في الدول الأخرى تصنيفاً عمرياً، حيث تنظّم هذه الطريقة عرض "الأفلام" بشكل أكبر، وهو ما يجعل الجهات الرقابية - في حال وجود دور سينما- تتحكّم بالتصنيفات العمرية بالطريقة التي تراها مناسبة، على أن يتم اقتطاع اللقطات غير المستحبة دون الإخلال بمسار الحدث، وأن تكون أوقات عرض الأفلام متناسبة مع أوقات الصلاة، في ظل وجود أماكن مخصصة للنساء والأطفال وكذلك الرجال، نحن لا نريد "السينما" لعرض ثقافة الآخر بقدر ما نريدها لإنتاج ثقافتنا الخاصة، هي رسالة نستطيع توجيهها كيفما أردنا، وباستخدامنا لها سنضمن وصول صوتنا للعالم دون تشويه. ولازال موضوع افتتاح "دور السينما" مثار جدل حتى اللحظة، خاصةً بعد انتشار الوسائل الأخرى مثل "التلفزيونات" و"القنوات الفضائية" و"الإنترنت"، رغم أن الجهات المعنية قادرة على توفير الرقابة الأمنية والشرعية والنظامية على كل شيء، وأن هذا الجدل في المجتمع السعودي حول مسألة من أمور القرن الماضي وليس من الأمور الحديثة، ف"السينما" كانت موجودة في المملكة سنوات طويلة بشكل عفوي وبدائي قبل أن تختفي ولم ينظر لها وقتها بالمنظور الحالي. ويبقى من المهم ألا نحكم على "دور السينما" بالحلال أو الحرام من مجرد اسمها أو حتى تجربة الدول الأخرى، دون النظر إلى المشروع المقترح وبما يتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية وطبيعة المجتمع، فالشباب يعاني من فراغ، وقد تكون "السينما" أحد الحلول للحد من المشاكل التي يخلقها لهم ذلك الفراغ. تحصيل حاصل وقال "ممدوح سالم" -مخرج تلفزيوني ومدير مهرجان الفيلم السعودي-: إنه في العهد القديم لم يكن هناك جهة رقابية تشرف على "دور السينما"، والمجتمع كان منقسما الى قسمين ما بين مؤيد وممانع لها، هذا قبل العام 1400ه، يعني قبل أكثر من (36) عاما، مضيفاً أنه أصبحت هذه الصورة راسخة لدى المجتمع حتى هذا الوقت، سواء من جانب الجهات الرسمية أو الاجتماعية، مبيناً أن الأمور تغيرت مع تعدد القنوات الفضائية والانفتاح الإعلامي، وأصبحت مسألة وجود "السينما" مجرد تحصيل حاصل، ذاكراً أن المشاهد أصبح باستطاعته مشاهدة الأفلام السينمائية من خلال القنوات المدفوعة أو المجانية، فالبث الفضائي لديه أكثر من (500) قناة فضائية، والفكر والجيل تغير. وأشار إلى أنه رغم ذلك هناك مطالبات؛ لأن المجتمع انفتح وتغير عكس ما كان قبل (40) عاماً، حيث لم يكن هناك سوى "التلفزيون" المحلي، مؤكداً على أن هناك إشكالية لوجود "السينما"، ولازال المجتمع منقسما بسبب الصورة الذهنية السائدة عنها من قبل، والتي لم تكن وقتها خاضعة للرقابة، وكانت تعرض أفلاما لم تكن مقبولة، حيث أصبحت الصورة غير جيدة لدى بعض أفراد المجتمع. تجارب ناجحة وأوضح "ممدوح سالم" أن المطالبة ل"السينما" يجب أن تتم وفق التنظيمات الجديدة للمجال الإعلامي، لذلك نحن بحاجة للإفادة من تجارب أشقائنا بدول الخليج، فدور العرض منقسمة بشكل ملائم بالنسبة لنا، أيضاً لنا تجارب سابقة عند عرض "فيلم مناحي"، أو في مهرجان جدة للأفلام، حيث كانت التجارب ناجحة ومراعية للذوق العام، وكان هناك عزل، وكان المسرح مقسما بشكل ملائم، مضيفاً أنه بإمكاننا وضع قوانين تلائم خصوصيات المجتمع وفي نوعية الرقابة على الأفلام، مبيناً أنه إذا تم الاهتمام بهذا الجانب فبمنتهى السهولة أن يكون لدينا "دور للسينما"، مشيراً إلى أن وجود دور للسينما سيكون له مردود اقتصادي، حيث إن بعض الدول حققت إيرادات جيدة من خلالها، بل وسنخلق فرص عمل للشباب في أكثر من مجال، وسنخلق صناعة عالمية، مؤكداً على أن السينما تعد من أهم الصناعات بأمريكا وعلى مستوى الوطن العربي والآسيوي مصر والهند. وأضاف: سنخلق آفاقا من الصناعة، وسنعطي صورة حضارية للعالم من خلال "السينما" لبلدنا، ومؤخراً أصبح لدينا شباب سعوديون مبتعثون لدراسة "السينما"، وهي مؤشرات جيدة، ذاكراً أننا بحاجة لأكاديميين مؤهلين، ولو تم احتساب ذلك بالأرقام فإن الإيرادات العالية ستخدم اقتصاد الوطن. أجواء سينما وأكد "صبري باجسير" -معد برامج- على أن المجتمع يعيش عالم "السينما" بدون "سينما"، فكل المنازل تضم الشاشات الضخمة التى يتابعون خلالها ما يعرض من "أفلام" في كل أنحاء العالم، مضيفاً: "ما ينقصنا هو ثقافة السينما بمعناها الحقيقي المتمثلة في أن تصطحب عائلتك أو صديقك من أجل حضور فيلم في مكان معين"، مبيناً أن هناك علامة استفهام كبيرة حول عدم وجود دور للسينما، وأنه مع الوقت ستتغير النظرة، ذاكراً أنه لا يوجد سبب حقيقي نحو فلسفة المنع، وكل الأشياء والمؤشرات في المجتمع تشير إلى أننا نعيش في عصر منفتح ومتحضر، لافتاً إلى أن الأغلبية تسافر للخارج لمشاهدة السينما. وأضاف: كل شيء في مجتمعنا مهيأ لميلاد "السينما"، على أن تكون تصاميمها الهندسية مناسبة لعادات المجتمع، ذاكراً أنه ينتظر قرار الجهات المعنية، وكذلك الناس، في ظل ضوابط الرقابة على الأفلام. حماية الشباب وقال "يحيى البشري" -مصمم أزياء-: إن "السينما" ليست مجرد وسيلة ترفيهية، فالأمم تقيس حضارتها وتطورها بمستوى ما تنتجه من فنون، و"السينما" واحدة من هذه الفنون الجميلة، مضيفاً أن سبب ضياع بعض الشباب وتسكعهم في الشوارع عائد إلى غياب الفنون الجميلة مثل "السينما" والمسرح، أو عدم وجود الأماكن الترفيهية التى تستقطبهم حتى تمنعهم من حدوث الفوضى، مبيناً أن "السينما" بمثابة الصيانة الحقيقية للشباب، والحضور إليها مع الأهل والأصدقاء يجعل المتابع في حالة ابداع مثل باقي المجالات، كالرسم وغيره؛ فهي تغذي الخيال، ذاكراً أن ثلاثة أرباع الشعب يسافر للخارج من أجل متابعة السينما، متسائلاً: لماذا نحرمهم طالما أنهم يسافرون من أجلها؟ مشيراً إلى أننا نرتكب أخطاء جساما في حق الأجيال بسبب غيابها، معتبراً سبب إبداعه في مجال تصميم الأزياء ودخوله العالمية أن "السينما" لم تغب عن طفولته، نافياً انقسام المجتمع إلى قسمين حول أهميتها، مؤكداً على ان استطلاعات الرأي الحقيقية ستكشف عن مدى تعطش المجتمع للسينما. وأشار إلى أنه فترة طفولته في مدينة جدة كان يتابع السينما في "منطقة البغدادية" مع أهله وأصدقائه، وكانت دور السينما مصممة بشكل يمنع حدوث الاختلاط ويحمي الخصوصية، ذاكراً أنه كان المجتمع وقتها يشاهد "سينما" عالمية، ولم يكن الإعلام وقتها منفتحا بهذا الوضع الحالي، وكانت العوائل وقتها تستمتع بإجازاتها الأسبوعية، موضحاً أنه لا يذكر أنه سمع عن حدوث مشاكل من أي نوع بسبب "السينما"، لافتاً إلى أن الأمم تتطور حسب نوعية الأفلام، وفضاء السينما لم يعد الاهتمام فيه بعرض الأفلام الخادشة للحياء، فهناك أفلام وثائقية وخيال عالمي أو بطولات "الأكشن". تجربة عرض أحد الأفلام كانت ناجحة وشهدت إقبالاً كبيراً العروض المسرحية أثبتت أن المجتمع متعطش للسينما إقرار ضوابط معينة يصنع دور سينما مثالية ممدوح سالم صبري باجسير يحيى البشري