في كل مناسبة نسمع من يتغنى بأن الغرب في العصور الوسطى تلقى علومه وبنى حضارته مستعينا بحضارة الأندلس. كانت دور العلم في أوروبا تبتعث طلابها وطالباتها إلى قرطبة واشبيلية وطليطلة وغرناطة. من القصص أنه في زمن الحاكم المستنصر أن الراهب الفرنسي (جربرت دي اورياك) درس في جامعات ومدارس قرطبة. عندما عاد إلى بلاده مزودا بالعلم التجريبي اتهمه (زملاؤه رجال الدين) بالهرطقة والسحر. فالكيمياء والفيزياء والفلك ضرب من السحر المحرم عند الكنيسة. ولكنه في النهاية ترقى بالعلم وأخيرا تقلد منصب البابا تحت اسم سلفستر الثاني. يقول احد الباحثين (كان له الدور البارز في نشر علوم العرب في أوروبا وهو أول من ادخل التعليم الدنيوي ودافع عنه على أسس تقدمية). ثمة روايات كثيرة من هذا النوع وهذا امر طبيعي. الحضارات ليست نتاج شعب واحد وليست حكرا على امة دون أخرى ولكن للزمان دوراته التي لا تتوقف. تتبادل فيه الشعوب والأمم شعلة التقدم وتسير بها المسافة التي يقدر الله لها أن تسير بها لتأتي امة أخرى تأخذ عنها المشعل وتمضي به قدما. الإنسان هو الإنسان مهما تفرقت به سبل الأيمان والمعتقدات. يبقى متواصلا ومتداخلا يأخذ بعضه عن بعض. قدر الإنسان أن يسير في التقدم إلى مداه. عصرنا لن يكون استثنائيا. الغرب اليوم هو مركز الحضارة والعلوم والفنون ومنتج التكنولوجيا. استطاع الشرق (اليابانالصين - كوريا) أن يسارع ويلتحق بالغرب وينافسه. اليابان تتلمذت على المانياوالصين تتلمذت على روسيا وكوريا تتلمذت على أمريكا. رغم ما بلغته هذه الدول من تقدم في العلوم ورغم كثرة الجامعات الراقية في هذه الدول لم تتوقف هذه الأمم حتى لحظتنا عن إرسال أبنائهم وبناتهم إلى الغرب. عندما يقدر لك أن تزور أي جامعة غربية في أي بلد غربي سترى أن عدد الطلبة من ذوي السحنات الشرقية أكثر من الطلبة من أبناء البلد نفسه. لا تقوم امة دون قاعدة من العلماء والمفكرين وأصحاب المهن الراقية. برنامج الملك عبدالله بن عبدالعزيز للابتعاث مشروع استراتيجي وحيوي يتقرر به مستقبل المملكة المعرفي ومجدها القادم. وليس هذا فحسب بل هو امتداد لحركة الشعوب وتطورها وتبادلها المعرفي ليأتي اليوم الذي نجد فيه بلادنا أصبحت مشعلا للعلم وأرضا تنبت عليها التقنيات الجديدة. من يعترض على الابتعاث هو ضمنا عدو لأمته. لا يروم سوى مصالحة الشخصية. فإذا كانت فوائد العلم تعم أبناء المجتمع فإن الجهل يخدم هؤلاء الذين يقتاتون على تخلف الأمة وعجزها. ليس غريبا أن يشن "ظلاميون" بين فترة وأخرى "نعيقا" ضد برنامج خادم الحرمين، فهؤلاء الصغار الذين أرسلهم خادم الحرمين ليجلسوا على مقاعد الدرس في ارقى الجامعات العالمية لن يعودوا مرة أخرى إلى أحضان قيادات الجهل ولن يضعوا رؤوسهم مرة أخرى في الأقبية المظلمة الرطبة التي شادتها تلك القيادات لهم. بلغ بهم السخف والتقصد أن يختلقوا القصص التي لا تعبر إلا عن عقول عقلتها المصالح الضيقة والمخيلة الساذجة!. لمراسلة الكاتب: [email protected]