من جامعة السربون ومتحف اللوفر ومن المكتبة الوطنية في باريس الى جامعة قرطبة والمتاحف والمكتبة الوطنية في اسبانيا.. والآثار الإسلامية في الأندلس.. في غرناطة وقصور الحمراء واشبيلية وجامع قرطبة ومدينة الزهراء والزاهرة وملقا وغيرها.. كانت رحلة سياحية وثقافة ممتعة.. وهل هناك اكثر امتاعا من الأطلاع المباشر على ثقافات الشعوب والأمم؟!. كانت زيارة جامعة (السربون) في مدينة باريسبفرنسا حلما من احلامي منذ ان قرأت في ايام الدراسة الابتدائية عن الشيخ محد عبده وجمال الدين الأفغاني ومجلتهما (العروة الوثقى) ورفاعة الطهطاوي وطه حسين.. وغيرهم ممن تتلمذوا على علماء وفلاسفة هذه الجامعة الشهيرة التي ولدت في سنة 1253م.. حينما تأسست اول كلية.. والتي تم الاعتراف بها لتصبح: كلية الفلسفة والآداب في سنة 1271م في الحي اللاتيني من مدينة باريس، ويشتمل منهج الجامعة في الوقت الحاضر على دراسة متعمقة في اللغات والآداب والفلسفة والانسانيات وغيرها. وحينما زرتها كان وقت التسجيل للفصل الدراسي.. والطلبة من مختلف القارات يتوافدون عليها مختلفة الوانهم واشكالهم ولغاتهم.. لينهلوا العلوم والآداب والفنون فيها وفي مئات الكليات والجامعات في فرنسا التي ظلت عاصمة للثقافة في اوروبا بعد انحسار الدور الثقافي للمسلمين في اسبانيا سنة 1492م، ولتكون (جامعة السربون) احد اهم صروح العلم المرموقة في العالم التي اسهمت في نهضة الحضارة البشرية بقدر وافر ولاتزال. هبطت الطائرة الفرنسية القادمة من (روما) في مطار (شارل ديغول) في باريس بعد حوالي ساعتين في الجو الصافي الأديم في السادس من شهر سبتمبر 2004م .. وكنت اتطلع من النافذة لأرى معالم العاصمة الفرنسية.. التي تترجم قرونا من التاريخ.. وتتحدث عن انجازات الأجيال.. وكان برج (ايفل) الشاهق في السماء يرحب بالقادمين.. وكان برنامجي يشتمل على زيارة جامعة السربون ومتاحف باريس والمكتبة الوطنية والمعهد العربي وغيرها من المؤسسات الثقافية في هذه المدينة العريقة.. وفي الساعة التاسعة من صباح اليوم التالي ركبت الحافلة الى موقع الجامعة.. حيث طلبت من مسئولي الأمن السماح لي بلقاء المسئولين في كلية الآداب.. الواقعة في مقدمة الجامعة.. وفي باحتها الخارجية يقع تمثال الروائي الفرنسي (فيكتور هيغو) مؤلف رواية:(البؤساء) المعروفة.. وقادني احد مسئولي الأمن الى مكتب العميد.. حيث استقبلتني مديرة المكتب التي تتحدث اللغة الانجليزية.. مرحبة بالقادم من المملكة وبعد دقائق استأذنت لي العميد.. الذي استقبلني بحفاوة.. فعرفته بشخصي والهدف من الزيارة.. وتناول الحديث تاريخ الجامعة ودورها العظيم في الحضارة الحديثة.. وكلف العميد احد الطلبة بمرافقتي لزيارة المكتبة وخاصة قسم المراجع الشرقية.. وقاعات الدراسة العتيقة والحديثة وجامعة باريس القريبة من (السربون).. وحينما دخلت تلك القاعات العتيقة تخيلت افواج الطلبة في مدرجاتها التي اصابها شيء من الارهاق لتعاقب الأجيال عليها، وتوافدت على مخيلتي شخوص الطلبة العرب القادمين من مصر وسوريا ولبنان ودول المغرب وغيرها من دول العالم.. كنت اتخيل الدكتور طه حسين ترافقه زوجته:(سوزان) الفرنسية الجنسية التي اخلصت له واعانته على اعداد اطروحته وصحبته الى مصر حيث اصبح مديرا لجامعة فؤاد (جامعة القاهرة حاليا) ثم وزيرا للتربية والتعليم.. الذي نادى بمجانية التعليم على اعتبار انه كالماء والهواء للإنسان. وفي العشرين من سبتمبر 2004م.. اقلعت بي الطائرة الفرنسية الى العاصمة الأسبانية (مدريد).. هذه المدينة التي يعود تأسيسها الى سنة 852م.. على يد الأمير محمد الأول وهو ابن امير قرطبة الأموي:(عبدالرحمن الثاني).. تحت اسم (مجريط).. في المكان الذي يقوم عليه حاليا القصر الملكي في مدريد.. وكان الهدف حماية مدينة طليطلة من اعتداءات المسيحيين..(المصدر: كتاب: كل مدريد).. وانني في الحقيقة متيم بتاريخ الدولة الأسلامية في اسبانيا الذي سجلته الآثار والمعالم القائمة الى الآن والتي تعتبر اهم عناصر الصناعة السياحية في اسبانيا الحديثة جذبا.. فلقد بلغ عدد السياح الأجانب سنة 2003م ما يزيد على ستين مليون سائح.. حسبما افادني احد الصحافيين الأسبان اثناء احتفال السفارة السعودية باليوم الوطني حيث دعاني صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن نايف بن عبدالعزيز اليه. وخلال عشرة ايام زرت الآثار الإسلامية في المدن الأندلسية والمتاحف والمؤسسات العلمية والثقافية الأسبانية.. وفي الثاني من اكتوبر 2004م ركبت القطار الى مدينة (قرطبة) حيث مقر دورة الشاعر العاشق: (ابن زيدون) التي اقامها الشاعر الأستاذ (عبدالعزيز بن سعود البابطين) رئيس مجلس امناء مؤسسة جائزة عبدالعزيز بن سعود البابطين للإبداع الشعري.. بالتعاون مع (جامعة قرطبة).. وفي لقاء آخر في هذا المكان.. سيأتي الحديث عن هذه الدورة العظيمة في اهدافها ونتائجها.