التوعية أمر مهم في حياتنا اليومية، وأصبحت مستهدفة من كل القطاعات الحكومية والأهلية في المملكة لتوعية المواطن والمقيم، بالإضافة إلى الحاج والمعتمر، وكل هذه القطاعات تنفق الملايين من الريالات لوضع خطط وبرامج التوعية بطرق متعددة ومختلفة تحاكي كل أطياف المجتمع. ومع كل هذا الاهتمام إلا أن هناك سؤالاً يتبادر إلى ذهن كل إنسان، وهو أين هذه التوعية على أرض الواقع؟ وهل هناك قصور في برامج التوعية؟ أو في خطط تنفيذها؟ أو في اغفال المتابعة للبرامج التوعوية عند تطبيقها على أرض الواقع؟ لتسليط الضوء على هذا الموضوع عقدت «الرياض» ندوة شارك فيها كل من الدكتور عيسى رواس وكيل وزارة الحج المساعد لشؤون العمرة، والعميد مساعد بن منشط اللحياني مدير الإدارة العامة للعلاقات والإعلام بالمديرية العامة للدفاع المدني، والأستاذ حمد بن خالد الخويلد مدير إدارة التوعية الصحية بوزارة الصحة. ٭ في البداية كان السؤال الأهم في هذه الندوة هو ما هي الأسباب التي يعتقد أنها تؤدي إلى ضعف تطبيق البرامج التوعوية؟ - د. رواس: أي برنامج توعوي يعتبر برنامجاً طويل الأمد لا يقتصر على دخول المستهدف للتوعية في محاضرة، أو سماع برنامج في وسائل الإعلام أو بقراءة مطبوعة فيقوم على الفور بتغيير سلوكه مباشرة، ومع العلم أن الذي يعمله الشخص المستهدف للتوعية في الأصل هو عن قناعة ينظر لها من خلال ترتيبات خاصة تهمه هو فقط، والمشكلة التي تواجهنا في توعية الحجاج أن المستهدفين بالتوعية ليس هم الذين سيحجون في العام القادم وسوف يأتي حاج لم يسمع ببرامج التوعية فالمفترض أن الحاج الذي حصل على التوعية يجب أن ينشرها بين الناس وبالتالي يتحقق الأثر، وهناك نقطة ثانية لا بد أن نشير إليها وهي أن كل برنامج يحتاج إلى أدوات وأوعية قياس مقننة علمياً، وهذه ما تصعب من عملنا ولكن لن يتوقف حماسنا واندفاعنا ولن يضعف من قوتنا ونحن عازمون إن شاء الله على التغيير، وسوف نستمر في البرامج ونغير ونطور فيها فالمسألة تحتاج إلى وقت وطولة بال والاستمرارية بحيث نحقق الهدف الذي نريد. العميد اللحياني: لقد تعددت الجهات التي تقوم بالتوعية، فأصبح المستهدف في التوعية مشتت الذهن مزدوج التفكير لا يستطيع التركيز والاستيعاب لكثرة العبارات الإرشادية التي يتعرض لها واختلاف مضمونها من جهة لأخرى. الخويلد: هناك أسباب عديدة لضعف البرامج أهمها قصور في إعداد خطط العمل مع عدم الاهتمام بخطط المتابعة والتقييم والتقويم، وضعف الإمكانيات المادية والبشرية المتاحة في العمل مع قصور التعليم والتدريب لدى العاملين القائمين بتنفيذ برامج التوعية الصحية، وانعدام الدراسات والأنشطة البحثية والتي تعد أحد العناصر المكونة للتوعية بالإضافة إلى قصور في فهم ماهية التوعية وأهميتها كعمل وقائي أساسي، فمثلاً نجد أن المرافق الصحية الوقائية والعلاجية بوزارة الصحة تنفق أموالاً طائلة ولكن برامج التوعية الصحية لا تجد الدعم المطلوب، إلى جانب انعدام وجود المكان الملائم والمناسب للعاملين القائمين بتنفيذ برامج التوعية الصحية وعدم وجود التجهيزات الفنية المناسبة والمتكاملة. متابعة التوعية ٭ الرياض» لماذا تغيب متابعة التوعية بعد الانتهاء من الحملة؟ - د. رواس: هناك برامج متابعة وتقييم يُصرف عليها مثل ما يُصرف على برامج التوعية فاللوحات الإرشادية والشبكة التلفزيونية الكاملة في المشاعر، إضافة إلى بث مباشر يستطيع أن يلتقطه كل مخيم في منى بين الرسائل التوعوية التي قمنا ببثها سابقاً في بلد الحاج وعند وصوله إلى المشاعر المقدسة، حيث نذكره بأن لا يذهب لرمي الجمرات وهو حامل أمتعة، وأن يتجنب الازدحام، وأن يلتزم بمواعيد التفويج، وهذه الأمور كلها تبث في الميدان، وهذا مجهود كامل تقوم به وزارة الحج بالتعاون مع كافة الجهات الحكومية المعنية بخدمة الحجاج. العميد اللحياني: نحن في الدفاع المدني نرى برامج التوعية هي خيار استراتيجي ليس محدداً بحملة أو موسم بل هي على مدار العام وتزيد مناشطها في المناسبات أثناء الصيف والشتاء، وبداية العام الدراسي والبرامج السياحية والاجتماعية والتعليمية. الخويلد: تغيب متابعة برامج التوعية الصحية بعد الانتهاء منها للأسباب الآتية: قلة المتخصصين المنفذين لتلك البرامج، وندرة أو انعدام تنفيذ الدورات التدريبية المفترض إعدادها إضافة إلى انعدام خطط المتابعة والتقييم كما ذكرت سالفاً. العقوبات بداية التوعية ٭ «الرياض» هل عدم فرض عقوبات يساهم في قلة تقيد المواطنين والحجاج بالتوعية؟ - د. رواس: ليس عندنا دلائل على أن المواطنين والحجاج غير ملتزمين، وهناك فئات كثيرة تلتزم، وأيضاً هناك فئات ولكن تعد قلة غير ملتزمة، ونحن نحتاج إلى حملة توعية ذات ضوابط مقننة بحيث تلزم من اراد أن يحج يسير في مسار محدد ومقنن يضمن تطبيق الأنظمة والتعليمات. العميد اللحياني: أنا لا أعتقد أن فرض عقوبات سوف يؤدي إلى التقيد ببرامج التوعية لأن الأمور التي تأتي عن طريق فرض عقوبات تأباها النفس البشرية التي جبلت على حب اللين والسماحة. الخويلد: نعم يستدعي ذلك في برامج محددة مثل مخالفي التقيد بمنع التدخين في السيارات وفي الأماكن العامة ومخالفي التقيد ببرامج التطعيمات الأساسية ومخالفي التقيد بمظهر النظافة الشخصية وخاصة لدى الطلاب (نظافة الشعر، تقليم الأظافر، نظافة الملابس، الاغتسال....) ومخالفي التقيد بنظافة المدن والشوارع. مراحل التوعية ٭ «الرياض»: ما هي الطرق الصحيحة التي يجب أن نتبعها في برامجنا التوعوية منذ بدايتها وحتى تطبيقها على أرض الواقع؟ - د. رواس: أن أي برنامج علمي يحتاج إلى هيكلية وتقييم ومراجعة وهذا أمر طبيعي ولا يعني التقليل من قيمته وحتى برامج الجامعات الشهادات العليا لا بد أنها تراجع كل أربع أو خمس سنوات وهذا أمر وارد ومعمول به في كل القطاعات التي تقوم بالتعليم والتثقيف وتوجيه الحشود البشرية، وهذه الأمور يمكن أن تطبق في مشروع تنفيذ البرنامج نفسه وفي مشروع آخر يرافقه وتقييم البرنامج نفسه. العميد اللحياني: الطرق الصحيحة التي نتبعها في برامجنا التوعوية هي ترسيخ مفهوم الوعي لدى الأطفال منذ نعومة أظفارهم، وترسيخ مفهوم الصح والخطأ لدى الأطفال، والقدوة أفضل طريقة مجربة والتنبيه والمتابعة. الخويلد: أهم الطرق الصحيحة التي يجب اتباعها في تطبيق برامج التوعية الصحية هي تخصيص الزمن الكافي لجمع المعلومات ودراسة المشاكل وتحليلها وتخصيص ميزانية لتنفيذ البرامج والصرف عليها وإعداد خطة عمل وافية ومرحلية في التنفيذ والمتابعة لتنفيذ البرامج والتقييم وتطبيق مراحله المختلفة لأجل التقويم مثل تقييم قبلي وتقييم دوري وتقييم نصفي وتقييم عشوائي وتقييم نهائي ودعم تلك البرامج بالقوى البشرية المدربة والمعدة والكافية للتنفيذ. التنظيم الحكومي ٭ «الرياض»: هل أصبحت هناك حاجة ماسة لإنشاء جهة حكومية متخصصة في برامج التوعية للمواطنين والحجاج ومتابعة تنفيذها على أرض الواقع؟ - د. رواس: هناك اللجنة العليا للتوعية والإعلام، وهي لجنة مشكلة بأمر سامٍ ومختصة بلجنة الحج العليا تمثل فيها كافة القطاعات، وكنا في اجتماعات متواصلة خلال الشهرين الماضيين لتنسيق جهود التوعية في كافة القطاعات المعنية ومهمتها الأساسية تنسيق وتكامل الجهود بدلاً من أن تكون جهوداً مكررة ومتناثرة وان تكون مكملة لبعضها. العميد اللحياني: آن الاوان لتشكيل هيئة أو لجنة عليا يناط بها القيام بإعداد استراتيجية للتوعية تنطوي تحت مظلتها كافة الأجهزة الحكومية المسؤولة عن توفير الخدمات للحجاج، وذلك لتحقيق هدفين هامين هما توفير المال وتوحيد الجهود وهذه الفكرة ليست بجديدة فقد طالب بها عدد كبير من أبناء الوطن الغالي. الخويلد: نعم بالتأكيد هناك حاجة ماسة لإنشاء جهة متخصصة في برامج التوعية الصحية ذات إمكانيات متكاملة وذات شخصية نافذة تعمل على تسيير وتسريع البرامج المنفذة على أن يتم دعمها والإشراف عليها، ففي هذه المناسبة يسرني أن انوه عن وجود بعض الأفكار ومشاريع (اللجنة الوطنية للتوعية الصحية، الجمعية الخيرية للتوعية الصحية والهيئة الخليجية للتوعية الصحية) تلوح بالأفق آمل من المولى عز وجل أن يسدد خطى الساعين وراء تحقيقها.