منذ بدء سوق الأسهم السعودي وكثر مضاربوه، والانترنت والقنوات الإعلامية المتخصصة في شأن سوق المال تمدنا يومياً بكم وافر من المعلومات التي لا تخرج عن قسمين اثنين إذا ما نظرنا إلى مصدرها، أولاها ما يقوله المحلل الواثق من خبراته ومن قراءاته الجيدة للسوق وكذلك للبرامج التي تساعده في قراءة مؤشرات السوق على اختلاف أنواعها، والمنضوون تحت هذا النوع قلة مع الأسف، وضاع صوتهم هباء مع الفئة الأخرى التي سأذكرها آنفا، تلك الفئة التي تهرف بما لا تعرف. وثانيهما، تلك الفئة التي تصدت لتحليل السوق، إما بالكتابة في المنتديات أو عبر غرف البالتوك وكذلك في القنوات الإعلامية، والصحف. بل تعدى الأمر إلى أن يقتني أحدهم أكثر من جهاز جوال للرد على استفسارات عباد الله. هذه الفئة يلقون بأموال الناس إلى التهلكة، وفيهم المقترض الذي اقترض مالاً ويسدده على أقساط من أجل أن يحسن ظروفه المالية بالدخول في سوق الأسهم، وفيهم من وضع ما جمعه في سنين في الأسهم، ممنيا النفس ببناء منزل أو بتحسين وضع، أو بزواج إلى آخره.. وعندما نقرر أن هذه الفئة تمارس مغالطات في السوق فذلك لأن أحدهم يجزم بأن ما يقوله صحيح مائة بالمائة، ولا بد أن ما قاله كائن وكأن هذا المحلل يعلم الغيب، ومن هؤلاء مع الأسف من تستضيفه غرف البالتوك، فيبدأ في قراءة السوق، ويعمم الكلام ويلقي به على عواهنه كما يقال، ويستمع إليه المتداولون وبينهم الجاهل بأمر السوق والباحث عن المكسب، دون أن يكون لديه الخبرة الكافية لكيفية الدخول أو الخروج من سهم ما، ولا يعرف حتى أبجديات السوق، وهنا يتحمل هذا المحلل وزر هذا المتداول البسيط فقد طلب منه الشراء، وهو لا يعرف كم هي سيولته وما مركزه المالي، وهل يستطيع التعويض وتعديل الخسارة إن خسر أم لا؟ والمتداول دخل السهم وكله يقين من أن فلانا لا ينطق إلا عن صدق! إن مثل هذا النوع من المحللين يتحمل أوزار الناس دون أن يدري لأنه غرر بهم بكلامه المعسول، وطلب منهم الشراء دون أن يبين لهم كل شيء، كأن يبين مثلاً وضع الشركة ونقاط المقاومة والدعم، وما مقدار ما يدخل به من ااسيولة وغيرها من أبجديات الأسهم. وحتى أعضّد ما قلته بالأمثلة، سأضرب لكم مثلاً حدث في هذا الشهر، حين وقف أحد المحللين يتحدث عن شركة من الشركات وكان ذلك في (ROOM) روم بلغ عدد زوارها زهاء ألف شخص، وقال اشتروا في هذا السهم إنه نسبه اليوم، اشتروا ماركت، اشتروا بكامل سيولتكم، ولما يبلغ السهم قيمته العليا، ولم يذكر لنا ذلك الخبير ما مبررات دخول الناس بكامل محافظهم، وحدثت الطامة حيث باع المضارب كل ما أدخره من أسهم، بالثمن الذي يريد، ثم هوى بالسهم إلى القاع فتعلق الناس وذهبت أموالهم هباء، وبقي ذلك المحلل ممتنعاً عن إبداء أسباب الخسارة ولماذا قدّم ضمانات للشراء، والأدهى من ذلك إنه يكرر فعلته هذه كل يوم دون حسيب ولا رقيب، ولم يتق الله في أموال الناس. هذا الذي يفتي في الأسهم ويرغّب الناس في الشراء، رجما بالغيب أو بناء على توصية لا يدري أتصدق أم تكذب، مثل المنجم وقديماً قيل كذب المنجمون ولو صدقوا، فهو يتحمل أوزار الناس بضياعه وتسببه في تلف أموالهم بغير وجه حق، وليس له عذر حين يقول لقد قلت رأيي فمن أراد أن يأخذ به فليأخذ ومن أراد أن يتركه فذاك وشأنه، ودليلي على ذلك أنه أولاً تصدى لأمر التحليل وقراءة الأسهم، وثانياً رغّب الناس في الشراء ولولا عباراته المعسولة ما اشترى أحد، وعلاوة على ذلك إن كان قد تحدّث بغير علم فالسيئة مؤكدة في عنقه. إنّ كثيراً من المحليين لازالوا ينعقون بعبارة إنّ سوقنا مجنون فهو لا يخضع للتحليل الفني وإنما يخضع للخبر والتوصية، وأنا أقول إن كان في كلامهم هذا شيء من الصحة، فهو في مجمله مردود عليهم، فلا سوق بلا معايير أو مقاييس فنية، وحتى التوصيات والمحفزات يمكن أن تخضع للقراءات وللمؤشرات الفنية الصحيحة السليمة التي تستطيع قراءة سهم ما قراءة حقيقية.. لا قراءة العجلة والاسترسال. أضف إلى ذلك أخطاء يقع فيها الداخلون لسوق الأسهم، وتشترك معهم فيها هيئة سوق المال والبنوك، فالمتداولون يحلمون بالثراء السريع، ولا يقتنع أحدهم بالربح البسيط مقابل الحفاظ على رأس المال، ولقد صرّح أحد أهم المستشارين في السوق ان ربح عشرة بالمائة مع الحفاظ على رأس المال هو مسار صحيح وجيد، لكن المتداولين حين يحلمون بالثراء السريع، قد يقعون في المحظور، فيخسرون ما كسبوه، إن لم تصل الخسارة إلى رأس المال. ويقع جزء من المسؤولية على البنوك التي تتسابق في جذب أكبر عدد من المتداولين، كونها ستحصل على عمولات مقابل فتح المحافظ وكذلك بقاء سيولة في خزائن البنك، ورغم المكاسب الكبيرة التي تنالها البنوك من سوق المال، من عمولات بيع وشراء وتحويل أموال وبقاء سيولة، وما إلى ذلك إلا أنها لا تقدم لصاحب المحفظة أدنى استشارة، بل تتركه يواجه مصيره في السوق، وسواء خسر أو ربح فهي ستحصل على الأموال من كلا الاحتمالين، بينما الذي يحدث في بنوك العالم المحترمة ان كل من يفتح حساباً استثمارياً لدى البنك ينال استشارات فنية ودعماً من قبل البنك، ويخطر بمؤشرات هامة تبين سير السوق وسلامة سير أمواله وبعد أن ينذر عليه أن يتحمل تبعات اتخاذ قراره. كل هذا لا يحدث لدى بنوكنا المحلية مع كل أسف، ولن أتحدث عن تعطل مواقعها في ساعات الذروة وتسببها في خسائر فادحة لعملائها، دون أن تعوضهم قرشاً واحداً عن هذه الخسائر التي يتحملها البنك بسبب موقعه أو بسبب بطء إجراءات البيع والشراء فيه. أما هيئة سوق المال، فدورها مع الأسف لا يمكن تفعيله بالشكل الجيد بالرغم من كل القرارات التصحيحية التي تتخذها بين الفينة والأخرى، فهي إن منعت هوامير الشركات من العاملين فيها من عدم الشراء في شركاتهم، فلن تستطيع أن تمنعهم من العمل تحت أسماء أخرى ولن تستطيع أن تمنعهم من تسويق أسهم شركاتهم عبر الوسائل المشبوهة من غرف ومحللين من الفئة الثانية التي ذكرتها وإلا كيف تفسر لنا أن بعض الشركات قد خسرت من رأسمالها الكثير بينما نجد أسهمها في قمة الارتفاع بسبب المضاربات غير الواقعية، وهي لن تستطيع أن تمنع كل من هب ودب من إنشاء غرف ومنتديات تداول تسيء للسوق أكثر من أن تفيده، وتقوم على تسويق الأسهم بطريقة باتت مكشوفة، لكن هيئة سوق المال تستطيع أن تتبع كلام المحللين في الصحف والمجلات والقنوات الفضائية، وعليها أن تحاسبهم على كل صغيرة وكبيرة يلقونها وهي تعلم إن القصد منها ليس سليماً، وعليها أن تجد وسيلة قانونية لكي يقاضي المضاربون والمستثمرون على السواء كل من يسرب أخباراً أو يكتب أو يصرح بما يسيء إلى السوق وهو يقصد الإساءة بالطبع ويثبت تورطه فيها، وعليها أيضاً أن تتنبه لما تقوم به المحافظ الاستثمارية في البنوك من عمليات غير مسؤولة دون أن يكون لهم نظام يحد من خطورتهم حين يقومون بتسييل المحافظ ويرجفون في السوق ثم يعودون للشراء وغيرها من عمليات الاحتيال التي درج بعض مديري المحافظ مع الأسف في البنوك على القيام بها وتخويف الناس والتسبب في خسائرهم لأموالهم حتى يخلو الجو للمحافظ الاستثمارية في البنوك. وقبل أن أختم مقالتي هذه، أبين لكم طريقة من طرق الكسب غير المشروع التي انطلق يتسابق عليها محللون وغرف بالتوك، حيث جرت العادة أن يقوم المحلل الفلاني ببيع التوصيات بمبلغ وقدره كذا، فإن كسبت فيها نعمت، وإن خسرت بريء منك ذاك المحلل، فهو إذاً يأكل أموال الناس بالباطل، وذات الشيء تفعله بعض الغرف التي بات الدخول فيها يتوجب عليك أن تشترك بمبلغ معين شهرياً، أو سنوياً، وحين تدخلها تحزن على خبرة «المشرفين» الذين ينعقون بها صباح مساء ولا يضمنون الخسارة لكنهم يربحون، ويرغبون الناس في الشراء والبيع، دون تفصيل. والواجب أن من يريد أن يرشد متداولا أو مستثمرا في أمر السوق، فعليه أن يعرف ما معه من سيولة وما هي أسهمه وما مقدار خبرته، ولا بد من متابعته حتى تكون العملية سليمة، أما الترغيب في الشراء أو البيع بشكل عام دون معرفة بأحوال المشتركين في الروم، فهذا هو التدليس بعينة. بقي أن أشير إلى دعوة العلماء الذين يعرفون بواطن الأمور في الأحكام الشرعية وبالذات ممن لهم دراية بشؤون البيوع الإسلامية أن يقفوا على حال هؤلاء المطنبين في السوق السعودي، وتحذيرهم من أكل أموال الناس بالباطل أو التسبب في إهدارها بغير وجه حق، وقد بيّنت صوراً من هذا الهدر في أموال المسلمين، مع اعتذاري الشديد من جميع المحللين وفنيي السوق الذين يخافون الله سبحانه وتعالى ويحذرون من الوقوع في الزلل، فنفع الله بهم المسلمين وكثّر من أمثالهم.