الروماتويد (التهاب المفاصل الرَوماتويدي أو الداء الرثياني) هو أحد الأمراض المزمنة التي ينبغي علينا أن نرفع وعينا بأسباب الإصابة بها. وينتمي لفئة الأمراض الانضدادية التي تخترق الجهاز المناعي لجسم الإنسان وتجعله يصدر أوامر عكسية لمهاجمة المفاصل، وهو يؤثر بشكل كبير في الغشاء السينوفي للمفاصل والأنسجة المحيطة بها، وتنتج عنه التهابات متعددة، قد تنتهي بتدمير تلك المفاصل. ومن الممكن أيضا أن يصيب جهاز المناعة أعضاء أخرى في الجسم مثل الرئتين، القلب، العيون، الأعصاب، الجلد و غيرها. وفي بعض الحالات يسبب المرض الإعاقة، مما يؤدي إلى فقدان القدرة على الحركة والإنتاجية. الروماتويد يصيب الأشخاص البالغين بنسبة 0,5 إلى 1 % عالمياً، ووفقاً لدراسة سعودية أجريت في منطقة القصيم، واحد من كل ألف سعودي مصاب بالروماتويد، وجميع الأعمار معرضة للإصابة بالمرض –لا سمح الله- لكن أغلبية المرضى تكون أعمارهم بين 30 و50 سنة ويكون عند الإناث أكثر من الرجال بنسبة 1:4. سبب التهاب المفاصل الروماتويدي غير معروف حتى الآن؛ لكن هناك بعض العوامل التي تساعد على زيادة المرض. أعراض الروماتويد يبدأ مريض الروماتويد تدريجياً بالشعور بالتعب بدون ارتفاعٍ في درجة حرارة الجسم، وفي حالات نادرة تكون هناك نوبات روماتزمية حادة، حيث تصاب مجموعة مفاصل في وقتٍ واحد، وتكون متورمة وساخنة ومؤلمة مع تيبس في الحركة خصوصاً في أوقات الصباح، وأكثر المفاصل إصابة بالروماتويد هي مفاصل اليدين، وخاصة الأصابع ومفاصل القدمين والركبتين ثم الرسغين، وغير ذلك من المفاصل. ينمو التورم في الغشاء السينوفي للمفصل، ويزداد في الأنسجة المحيطة به مما يعطي الشكل المغزلي للمفصل المصاب، وفي حال لم يحصل المريض على العلاج المناسب بشكل عاجل، فقد تنتج تشوهات بسبب تقلص العضلات وتآكل المفاصل، ومع تقدم المرض تصبح التشوهات مستديمة -لا سمح الله-. يمر مرض الروماتويد بفترات نشاط وفترات خمول، ويقع على شكل نوبات متتالية تزيد فيها درجة التيبس بالمفاصل وتزداد تشوهاتها مع مرور الوقت. ولأن التهاب المفاصل الروماتويدي يعد من الأمراض الشاملة، فهو قد يؤثر في أجهزة أخرى في الجسم أو مناطق أخرى منه غير المفاصل، وقد يصل ذلك إلى التسبب بالتهاب الأجزاء البيضاء من العين، وهو ما يسمى بالتهاب الصلبة، والذي يمكن أن يكون خطيراً جداً على صحة العينين. كذلك، هناك التهاب بطانة الرئة (التهاب الجنبة) الذي يسبب آلاماً بمنطقة الصدر خلال التنفس العميق، وقد يسبب ضيقاً في التنفس أو قد يصيب أنسجة الرئة نفسها فتصبح ملتهبة ومن ثم تتليف –لا سمح الله– وأحيانا قد يظهر التهاب العقيدات (عقيدات الروماتويد) داخل الرئتين. أيضاً قد يصاب مريض الروماتويد بالتهاب الأنسجة (التامور) المحيطة بالقلب، ويسمى التهاب التامور، والذي يسبب ألماً في الصدر ويزداد شدة عند الإستلقاء أو عند ميل الجسم نحو الأمام. هذا، ويرتبط التهاب المفاصل الروماتويدي مع خطرٍ متزايدٍ من الإصابة بالأزمات القلبية. فمرض الروماتويد يمكن أن يتسبب في خفض عدد الخلايا الحمراء في الدم (فقر الدم)، وخلايا الدم البيضاء، كذلك. وإنخفاض عدد الخلايا البيضاء يمكن أن يترافق مع تضخم الطحال (وهو ما يعرف باسم متلازمة فيلتي)، كما يمكن أن يزيد الروماتويد من خطر الإصابة بالأمراض المعدية. وقد تظهر لدى المريض كتل ثابتة تحت الجلد (تسمى عقيدات الروماتويد)، وذلك في منطقة المرفقين والأصابع، حيث الاستعمال المستمر والضغط المتكرر. وعلى الرغم من أن هذه العقيدات عادة لا تسبب أعراضاً، إلا أنها في بعض الأحيان يمكن أن تتعرض للالتهاب ويصبح المريض بحاجة إلى علاجات إضافية. وكما أن التهاب مفصل الرسغ قد يضغط على الأعصاب في الرسغين، ويسبب متلازمة النفق الرسغي، فقد يصاب المريض بالتهاب الأوعية الدموية لفتراتٍ طويلة، وربما يؤدي ذلك إلى إعاقة تدفق الدم إلى الأنسجة، ويؤدي إلى موت الأنسجة المصابة، وأكثر المناطق التي يمكن أن تتعرض لخطر الإصابة بهذا العرض هو المنطقة الصغيرة حول الظفر. الأمراض المصاحبة في العادة، يصاحب مرض الروماتويد عدد من الأمراض الأخرى بشكلٍ متزامن. ومن هذه الأمراض: "متلازمة سجوغرن " التي تصيب حوالي 30 % من مرضى الروماتويد؛ وهي عبارة عن التهاب يحدث في غدد العينين والفم يسبب جفاف هذه المناطق، ويمكن أن يؤدي –لا سمح الله– إلى كشط القرنية. المرضى الذين يعانون من التهابات الروماتويد المستمرة يكون لديهم قابلية أكثر للإصابة بأمراض القلب والشرايين. وتتضاعف درجة الخطر القلبية الوعائية بمعدل مرة ونصف عند إستيفاء معيارين من المعايير الثلاثة التالية: (1) أن يمر على الإصابة بالمرض أكثر من عشر سنوات (2) وجود عامل الروماتويد أو الأجسام المضادة للبروتين سيترولين (3) وأخيراً وجود التهابات في أعضاء الجسم خارج المفاصل. وقد يصاحب الروماتويد أيضاً مرض الإكتئاب، والذي يختلف على نطاقٍ واسعٍ من دولة لأخرى (مثلا 2٪ في المغرب و 33٪ في الولاياتالمتحدة الأميركية). وقد لاحظ الأطباء أن هشاشة العظام هي الأكثر شيوعاً لدى المرضى الذين يعانون من التهاب المفاصل الروماتويدي، ويزداد معدل حدوث الكسور لدى المرضى الذين يتناولون علاج الكورتيزون لمدة طويلة تزيد على ثلاثة أشهر؛ الأمر الذي قد يؤثر تأثيراً كبيراً على التنبؤ الوظيفي النهائي للروماتويد. ويلاحظ أن الأمراض المصاحبة للروماتويد تكثر لدى المرضى بسبب الأدوية التي يتم التعامل معها مثل الكورتيزون أو بسبب عوامل الخطر التقليدية، مثل التدخين أو التبغ، كما يساعد الالتهاب المزمن النشط في تطوير أعراض وتأثيرات تلك الأمراض المصاحبة. كيفية تشخيص مرض الروماتويد لا يوجد اختبارٌ محدد لتشخيص التهاب المفاصل الروماتويدي، حيث يعتمد التشخيص على الأعراض السريرية التي يلاحظها أخصائي الروماتيزم في نهاية المطاف، والتهاب المفاصل يشخص على أساس مزيجٍ من الأعراض الأساسية التالية: 1- تيبس المفاصل الصباحي لمدة تزيد على ساعة واحدة 2- وجود أوجاع عند تحريك أحد المفاصل وتورم أحد المفاصل لأكثر من ستة اسابيع 3- تورم أكثر من مفصل 4- تورم مفاصل متطابقة أي الركبتين معاً أو الرسغين معاً 5- وجود عقد خلف المرفق أو أي مكان معرض للضغط 6- المفاصل المصابة خلال المراحل المبكرة من المرض تظهر سليمة في صور الأشعة السينية، ويظهر تورم الغشاء السينوفي للمفصل. أما في الحالات المتقدمة، فيتسم العظم بالهشاشة، والكثافة البسيطة، وتظهر نتوءات في العظم. وهنا، يفضل عمل أشعة تلفزيونية لتحديد نوع وشدة الالتهاب بصورة دقيقة. 7- وجود عامل الروماتويد في الدم أو الأجسام المضادة سيترولين وتسهم التحاليل عادة في تقييم شدة الروماتويد من خلال عامل الترسيب بالدم (ESR)، ونسبة الهيموجلوبين في الدم لأن الروماتويد مرض مزمن قد يصاحبه فقر في الدم. العلاج ينبغي تشخيص مرض الروماتويد في مراحله المبكرة، ليتمكن الطبيب من وضعه تحت السيطرة الكاملة عن طريق الأدوية، والحفاظ على حركة المفصل وسلامة العضلات، وتفادي تيبس وتشوه المفصل. وفي الوقت الحالي، يقدم الطبيب لمريض الروماتويد العلاج بهدف الشفاء أو تقليل الالتهاب قدر الإمكان، حسب خطة علاجية دقيقة تسمى العلاج بتحديد الأهداف، وهي تحتاج إلى متابعة دورية على فترة طويلة. علاج التهاب المفاصل الروماتويدي هو الأكثر نجاحاً عندما يكون هناك تعاون وثيق بين الطبيب، المريض، والأسرة وفهم كون المرض مزمناً وطويل المدى. في الآونة الأخيرة، تحسنت توقعات سير مرض التهاب المفاصل الروماتزمي على المدى الطويل وبشكل كبير، وذلك بعد اعتماد أدوية فعالة للغاية، وهي الأدوية المعدلة خصيصاً للمرض وتعمل بشكلٍ مضاد للروماتيزم؛ مثل الميثوتريكسات، لفلونوميد، سلفوناميد، هيدروكسيكلوروكوين، بالإضافة الى الأدوية البيولوجية المعدلة، والتي أحدثت قفزة في علاج الروماتويد، حيث أنها تمثل نهجاً جديداً لعلاج التهاب المفاصل الروماتويدي، ويشار إليها على أنها منتجات التكنولوجيا الحيوية الحديثة، وعلى أنها أدوية بيولوجية تقدم معدلات الاستجابة البيولوجية بالمقارنة مع الأدوية المعدلة التقليدية. الأدوية البيولوجية تعمل بسرعة ويمكن أن يكون لها تأثيرات قوية على وقف الضرر بشكل عام، حيث يتم توجيهها ضد البروتينات المسببة للالتهاب ( عامل نخر الورم TNF ,IL 6 ) أو ضد الخلايا الليمفاوية المسببة للمرض (B أو T) ويتم حقن الأدوية البيولوجية تحت الجلد أو تعطى عن طريق الوريد. أيضاً، يمكن استخدام الكورتيزون لفترة محدودة بهدف تقليل الالتهاب إلى أن يبدأ عمل بقية الأدوية المعدلة للمرض والمضادة للروماتيزم، ويمكن حقن الكورتيزون موضعياً في المفاصل المصابة حسب ما يقرره الطبيب المعالج. كذلك، يتوجب تصحيح الأمراض المصاحبة ؛ مثل فقر الدم، كما يجب منع مقومات الإعاقة قبل تكونها. وللأسف، فإن الأمراض المصاحبة للروماتويد لا تعالج بشكل جيد عند مرضى الروماتويد. ومن أجل معالجة هذا التفاوت، قدمت الجمعيات العالمية لمكافحة الروماتيزم توصيات محددة للكشف عن الأمراض المصاحبة وإدارتها ومنع تطورها عندما يكون ذلك ممكناً. وتشمل هذه التوصيات تطعيم جميع المرضى الذين يعانون من التهاب المفاصل الروماتويدي ضد الإنفلونزا كل عام، وضد المكورات الرئوية كل خمس أعوام، وتقييم مخاطر القلب والأوعية الدموية بشكلٍ سنوي، حيث أن الالتهاب المزمن النشط في المفاصل يساهم في تطور مرض القلب والأوعية الدموية. أما التقييم السنوي لمخاطر القلب والأوعية الدموية فيكون بقياس ضغط الدم والكوليسترول الكلي في الدم (البروتين الدهني عالي الكثافة (HDL) و(LDL)، وكذلك الغلوكوز في الدم بصورة دورية. وبالنظر إلى نتائج عدة دراسات، فإن أفضل السبل لتحسين وضع مريض الروماتويد هي النظر في التقييم الدوري للأمراض المصاحبة باعتبارها واحدة من المهام التي تدخل في علاج المريض، وينبغي أن يتم ذلك بالتعاون مع مقدمي الرعاية الصحية الأولية وغيرهم من المتخصصين الذين يقدمون الرعاية لهؤلاء المرضى. أهمية التمارين الرياضية يجب أن لا ننسى أهمية التمارين الرياضية في العلاج؛ حيث تعتبر التمارين جزءاً من الحلول التي يتطلَّع إليها مرضى التهاب المفاصل بحكم أن معظمهم يشتكي من الآلام التي تعتبر المشكلة الرئيسية بالنسبة لهم. ويمكن تخفيف هذه الآلالم عبر التمارين المناسبة مع ممارستها بصورة سليمة. أما التعب الذي يعاني منه المريض، فعلاجه الراحة والإسترخاء في الهواء الطلق. مع ضرورة إلتزام مرضى التهاب المفاصل بالراحة التامَّة لحماية المفاصل، والإلتزام بالعلاج المخَصَّص لهم أثناء تفاقم الأعراض والالتهاب الحاد. وعلى مرضى الروماتويد أن يعلموا أن الموازنة السليمة بين الراحة وممارسة الرياضة مهم للغاية وهو ما يطلق عليه برنامج التمارين المعتدل. والقاعدة هي: "دَع راحتك تقودك". لكن يجب على مريض الروماتويد أيضاً المواظبة على التمارين لأنَّ يوماً واحداً من عدم الحركة قد يفقده لياقته التي قد لا تعود إلا بعد يومين أو أكثر من التمارين المكثفة. أما إذا كانت النكسات تمنع المريض من ممارسة المشي المعتاد لمدَّة 45 دقيقة في اليوم، فعليه ألا يمتنع عن التمارين الملينة أو محاولة مثلاً تقسيم هذه الفترة إلى فترات أقصر بينها أوقات راحة؛ أما إذا كان السير على الأرض الصلبة مؤلماً فيمكن للمريض ممارسة رياضة الماء. يخفف برنامج التمارين المعتدل من مخاطر أمراض القلب ويزيد من القدرة على التحمّل ويبطئ عملية ترقق العظام وتعرّضها للكسور، كما أنه يزيد من ليونة العضلات وقوَّتها مما يجعل المفاصل أكثر ثباتاً، وهذا كلّه يؤمِّن توازن الجسَد ويعَزِّز قدرته على التحمل. كما يساعد برنامج التمارين هذا على تجنب زيادة الوزن (الذي يزيد من الضغط على المفاصل) ويمنح بالإضافة إلى هذه الفوائد الفيزيائية راحة نفسية وشعوراً متجدِّداً بالصحة والنشاط. والمرضى الذين يتمتَّعون بمستوى لياقة عالٍ هم أحسن حالاً من المرضى الذين يهملون لياقة أجسامهم. * استشارية أمراض الباطنة والروماتيزم بمدينة الأمير سلطان الطبية العسكرية نائب رئيس الجمعية السعودية لأمراض الروماتيزم