جميل جدا أن يكون للمملكة العربية السعودية حضور فاعل وقوي في أي محفل دولي اقتصاديا كان أم غيره ، وأجمل من ذلك عندما تستضيف المملكة منتديات اقتصادية تتلاقح فيها الأفكار والرؤى وتعبر عن وجهات النظر المختلفة في خضم ما يعايشه عالم مضطرب من كساد اقتصادي لم يشهد العالم له مثيلاً. فالمنتديات والملتقيات والحلقات العلمية والمؤتمرات وورش العمل في أي مجال من المجالات التي تخدم الأوطان والشعوب والنهوض بها وتنميتها هي ما يطلق عليها التعليم المستمر ، بعبارة أخرى أكثر دقة ومهنية أننا يجب أن لا نتوقف عند حد العلوم التي تعلمناها أو الخبرات التي اكتسبناها أو الثقافات التي اطلعنا عليها وإلا أصبحنا متخلفين عن الركب وخارج التشكيلة الأساسية وبذلك تصبح الأدوار التي نلعبها في هذا الكون محدودة بل ضعيفة جدا . المملكة عليها أن تكون بلد جذب ، وليس بلد طرد للمعارف والعلوم والخبرات والثقافات وغيرها ، وهذا ما حصل بالفعل في عهد ملكنا وحبيبنا أبي متعب ، وبخاصة أننا نعيش في هذا العصر عصر الثورة المعلوماتية والتقنية غير المسبوقة ، ونحتاج إلى تسريع الخطى للحاق والإمساك بها وتوطينها . دول الغرب والشرق تقدمت لأنها تعتمد بالدرجة الأولى على الدراسات والأبحاث والتي على ضوئها تقام الندوات والمؤتمرات العلمية والمنتديات والملتقيات إلى آخر المسميات ليس فحسب بالتعريف بتلك الدراسات والأبحاث بل وتطبيق المفيد منها وذلك بوضع آلية لتنفيذها . نحن في هذا المقام نشجع على جعل مجتمعنا ينعم بتلك المنتديات والملتقيات العلمية وذلك بتكثيفها ورعايتها على أعلى المستويات ، وفي المقابل فإن حصيلة ما نخرج به من تلك المنتديات يجب أن يطبق على ارض الواقع ، وان لا يكون حبيس العقول ، أو الأرفف والأدراج ، أو الحاسبات الآلية بل يجب أن نستفيد من تلك الأبحاث ، التي تعرض وتلك الخبرات التي يشارك بها ، الاستفادة القصوى . ولكن مشكلتنا مع تلك المؤتمرات العلمية وتلك التجمعات للخبرات والثقافات المتنوعة أننا ندعو رموزاً في كل التخصصات وأناساً لهم ثقلهم العلمي والعملي ومع الأسف لا نستفيد منها بل إن المستفيدين الحقيقيين هم الذين يحضرون ويشاركون من خارج المملكة من مختلف دول العالم. المشاكل التي نعاني منها في مجتمعنا ليس بقلة الخبرة في التنظيم لتلك المنتديات بل إننا ندعو ، كما أسلفنا ، خبرات ورموزاً لها ثقلها الاقتصادي والسياسي والعلمي وغيرها ولا نستفيد منها وهذا راجع إما إلى فهمنا القاصر عن أهمية الحضور والمشاركة والاستفادة القصوى من قبل المتخصصين لدينا في تلك المجالات في تلك المنتديات ، أو أن القائمين عليها يبحثون فقط عن الدعاية والشهرة إعلاميا من خلال تنظيم تلك المنتديات . فالحضور والمشاركة في تلك المنتديات أو التجمعات العلمية ضعيف جدا ، ولنا أن نتخيل أننا ندعو أساتذة في الاقتصاد والطب والعلوم الأخرى من دول غربية أو شرقية لهم مكانتهم وأبحاثهم وخبراتهم ثم يفاجأون بأنهم في تلك المنتديات والمؤتمرات والحلقات العلمية وورش العمل إلى غيرها أنهم فقط يتحدثون إلى أنفسهم أو إلى مجموعة قليلة جدا يعدون على أصابع اليد . نخسر عليهم مئات الألوف من الريالات ولا يجدون من يرد الصوت عليهم في قاعات فنادق أكثر من خمسة نجوم . أين تكمن المشكلة والعلة ؟ تكمن المشكلة والعلة أننا كمنظمين ندعو تلك الخبرات والأساتذة ، ونغدق عليهم ونعطيهم ، وهم بالفعل يستحقون ذلك ، في حين أن الأساتذة لدينا والخبرات أيضا لا توجه لهم الدعوة ولا يسكنون في الفنادق نفسها التي تتواجد فيها المنتديات وتلك الخبرات القادمة من مختلف دول العالم أو القريبة من تلك المنتديات من اجل الاحتكاك بهم عن قرب ، ولا يستقبلون في المطارات أو توفر لهم وسائل نقل ، أو أن أعمالهم لا تسمح لهم بالحضور والمشاركة ، أو عدم إعطائهم انتدابات وحوافز من اجل الحضور والمشاركة والاستفادة من تلك المؤتمرات والملتقيات العلمية ، فهي بحق على جانب كبير من الأهمية للبلد . فالذي يلحظ تلك المنتديات أنها فقط تغطي المتحدثين فيها إعلاميا ولا نجد تغطية إعلامية كافية للتعريف بها لدينا في مجتمعنا لحث أصحاب الخبرة والمتعلمين والمثقفين بحضورها . عقبات عديدة توضع في طريق من يريد الحضور والمشاركة وبخاصة للمهتمين والمتحمسين للحضور أما من توجه لهم الدعوة ويتسابقون لحضور تلك الملتقيات فان الوقت الذي يقضونه في الحضور والمشاركة لا يتعدى ساعة حفل الافتتاح وبخاصة إذا كان من يرعى هذه المنتديات والمؤتمرات له ثقله في المجتمع . منتديات ومؤتمرات ومحافل علمية والحضور بأفضل أنواع البشوت في حفل الافتتاح وبعد انتهاء الحفل لا تجد نفاخا للنار ، بمعنى آخر وبعبارة أكثر دقة أن المنتدى يختتم بعد أن يغادر راعي حفل الافتتاح الصالة المعدة لذلك وبالتالي فإن تفسير ذلك بالنسبة للمنظمين أننا نبحث فقط عن الدعاية والوجاهة والمستفيد هو من يحضر من خارج مجتمعنا أما نحن فإن ما يهمنا هو حضور حفل الافتتاح والتسابق على الكراسي الأمامية وبعد ساعة لا تجد الكراسي من يجلس عليها ، وتصبح الندوة أو المؤتمر أو الملتقى أو مهما كان المسمى قرية مهجورة والسبب يعود إلى المنظمين الذين يجهلون مدى الفوائد العظيمة من تلك المنتديات . أما البعض الآخر من الأقارب والمعارف للمنظمين فإنهم يأتون وكأنهم قادمون إلى ملتقى تعارف يوزعون البطاقات الصغيرة التي تعرف بهم وسبل الاتصال بهم ثم عند انتهاء الملتقى يحصلون على الشهادات المزركشة والنياشين وهم في واقع الحال لم يحضروا بل انصرفوا مباشرة بعد انصراف راعي الحفل ؟! في الجامعات وفي كليات الطب تحديدا يأتون بطلابهم وموظفيهم من اجل سد الفراغ وتعبئة الكراسي حتى لا يلحظ الضيف الذي قطع آلاف الأميال انه يتحدث إلى نفسه بسبب عزوف المتخصصين عن المشاركة لسبب أو لآخر . نخلص إلى القول إن حل قلة المشاركة وضعفها يتمثل ببث وقائع تلك المنتديات على الهواء عبر قنواتنا الفضائية وبخاصة وجود القناة الجديدة الفضائية « الثقافية» السعودية، وعبر شبكة الانترنت في بقية جامعات المملكة وإجبار المتخصصين ليس فحسب بالمتابعة بل والمشاركة ، هنا تعم الفائدة على الجميع ونتخلص من الذين يبحثون فقط عن ادوار لهم في المجتمع من خلال تلك المنتديات وغيرها .