سطر التاريخ أروع مواقف العطاء وأجمل الأمثله في البذل والسخاء لفئه شعارها الحب والوفاء هم فئة المتقاعدين. فالمتقاعدون كنز عظيم لهذه الدولة الجليلة أفنوا زهرة شبابهم وأيام عنفوانهم في سبيل خدمة الوطن المعطاء. المتقاعدون هم البذرة الأولى التي كبرت فأصبحت اليوم الشجرة المثمرة لبلادها، هم اللبنة الأساسية التي كانت تتعب وتجتهد وتكدح في وقت كان البلد فيه في طور النمو فلولاهم -بعد الله- لما ظهرت معالم مملكتنا بهذه القوة والجمال. فالمتقاعدون هم تلك الخبرة التراكمية التي يحتاج إليها هذا الوطن في ميادين شتى مدنية أو عسكرية أو خاصة ذكوراً كانوا أم إناثاً. المتقاعدون هم تلك الفئة التي أسهمت في خدمة مجتمعها ووطنها إلى أن بلغت من الكِبر عتيّاً، هم تلك الفئة التي تركت خلفها لمسات مضيئة ينقشها التاريخ في جدارية النهضة التي تشهدها المملكة العربية السعودية منذ عهد مؤسسها الملك عبدالعزيز طيّب الله ثراه. ستمضي السنون والأيام وسنلقى جميعاً نفس المصير وينتهي بنا الأمر إلى التقاعد، فمن الواجب علينا أن نخدم من خدم الوطن لسنوات عدة وأن نحترمه ونقدره ونعزه، فبعد أن كان المتقاعد في مقدمة الصف حيث قمة العطاء فلا يستحق أن نرجع به الآن إلى الوراء وينتقل إلى زاوية الاهمال ودائرة النسيان بعد أن كان في الحسبان. إنه الجحود والنكران في أبشع صوره لمن أفنوا أعمارهم في خدمة هذا الوطن وبنوا نهضته خطوة خطوة إلى أن وصلوا به صروح العلم والعمائر والأبراج وبعد أن ترجلوا وأصبحوا يعيشون حياة جديدة فلهم دور أساسي وكبير في بناء الوحدة الوطنية وتعزيز اللحمة الوطنية بما يملكون من قدرات وأفكار وإخلاص. فليس من السهل أن يجلس المتقاعدون على الرف مباشرة دون حراك بعد أن كانوا في دأب مستمر كل يوم وكل نهار والأصعب أن يراودهم شعور عدم النفع وانتهاء حاجة المجتمع والدولة إليهم، بل لابد أن تنطلق هذه الفئة في أي مجال يمكن أن ترى نفسها فاعلة فيه وتعطي المزيد والمزيد دون توقف وانتهاء، فمن الصعب أن يمكث المتقاعد في بيته بقية حياته بعد هذه الخدمة الطويلة دون انتاج أو عطاء لأنه تعود على ذلك فأصبح كالسمكة التي لا تستطيع العيش دون ماء، فالانخراط في المجتمع والشعور بالانتماء إلى جهة عمله السابق ما زال يجري في دمه، لذا يجب أن يكون للمتقاعدين دورهم الفعال في المجتمع والدولة بعد التقاعد فيشاركون من جديد في نهضة الوطن وبناء صروح العلم ومنارات التقدم ويتركون بصمة جميلة إلى آخر يوم في أعمارهم. ويرمون التقاعس والكسل والخمول جانباً فهو ليس من صفاتهم الأصلية المشهورة بحب العلم والعمل. إن معظم دول العالم عندما يتقاعد الإنسان يكرمونه ويهيئون له مكاناً ليكون مستشاراً حسب تخصصه وعمله السابق ليمدهم بما لديه من خبرات وأفكار، لكن للأسف هذا الأسلوب لا يوجد في بلادنا فعندما يتقاعد الإنسان يصبح في عالم النسيان مهما كان لديه من خبرات وأفكار لتفيد الوطن. فمتى سيكون للمتقاعد مكاناً واحتراماً وتقديراً ويعطى فرصة لمن كان قادراً على العمل؟، انها أُمنية أسوقها للمسؤولين في دولتنا الرشيدة. * كاتب وباحث في مجال الإدارة وتنمية الموارد البشرية