المتقاعدون -نساءً كانوا أم رجالا- يمثلون شريحة واسعة من شرائح المجتمع، ويمثلون جيلاً بأكمله ممن أفنوا شبابهم في خدمة الوطن الغالي، أهل وفاء وأصحاب أيدٍ كريمة، وماضٍ حافلٍ وزاخرٍ بالعطاء والبذل، والعمل بجد واجتهاد من أجل بناء المجتمع ونهضته ورفع راية الوطن خفاقة في عنان السماء. هؤلاء هم فخر الوطن ورصيده الحقيقي من الخبرات والحكمة والعقل، ومثلما تنشط الجمعية في الحفاوة بهم، ينبغي أيضا الاستفادة من تلك الطاقات والخبرات الكامنة وتوظيفها في المجالات المناسبة، وعدم هدرها بحجة عامل السن، فالموارد البشرية تظل في دائرة العطاء في مختلف مراحل العمر ما دامت هناك أبواب لاستيعاب هذه الطاقة ومنافذ لتوظيف تلك القدرات، فالعقل لا يتقاعد بل يظل متقدا والفكر لا يكل بل يظل في عمل وحب الوطن لا يعتريه التراخي وإن كل البدن. التكريم حق وواجب، والعناية بهؤلاء تأتي من باب الإنصاف وحفظ الحقوق، وأبواب التكريم متنوعة ومتعددة، ومنها تلمس هموم المتقاعدين الحقوقية والمعيشية، واحتياجاتهم ومطالبهم الاجتماعية والاقتصادية بما يخفف معاناتهم ويسهم في دعمهم وتنمية إحساسهم بوفاء المجتمع لهم وهو ما يعزز الروح الوطنية في الأجيال وتأصيل الانتماء والشعور به في أعماق الروح والنفس، ودراسة تقديم بعض الامتيازات لهم مثل منحهم تخفيضا على أسعار تذاكر السفر جواً وبراً والنظر في منحهم علاوة سنوية أسوة بموظفي الدولة فهم لا علاوة لهم بعد التقاعد وكذلك تعميد بعض الدوائر بتخصيص مكتب لخدمة المتقاعدين وتعميد المستشفيات بتسهيل مراجعاتهم، ودعم أوضاعهم الاقتصادية والمعيشية ورفع كافة أشكال المعاناة عن كاهلهم، وتكريم المتقاعد هو تكريم لمن لم يبلغ بعد هذه السن، فالمتقاعد هو أنا وأنت إن لم يكن اليوم فغداً، أسأل الله عز وجل أن يطيل أعماركم لتبلغوا سن التقاعد، ويكون لكم بنين وحفدة تنعمون بصحبتهم، تبتسمون لابتسامهم وتغضبون لبكائهم. يظن البعض أن بلوغ سن التقاعد هو بلوغ سن الرحيل عن الدنيا، أو الانزواء في دهاليز التاريخ لأنه لم يعد منتجاً بموجب قرار إحالته للتقاعد، وعلى العكس نرى دولاً متقدمة في أوربا كفرنسا مثلا يرفعون سن التقاعد إلى الخامسة والستين من العمر، ليستفيدوا من خبرات تلك الفئة التي تحال إلى التقاعد في سن الستين عندنا في الشرق لخمس سنوات إضافية، فالخبرات والتجارب تظل ما دام العقل يعمل والقلب ينبض والدم يتدفق في الأوردة والعروق والأفكار الملهمة والإبداع لا ينقطع وإن بلغ المرء سن التقاعد، وإني لأتساءل مثلي مثل غيري من المتقاعدين: أين أنت يا جمعية المتقاعدين وما هو عنوانك وأرقامك... سامحكم الله. رعى الله الجميع وأعانهم ونفع بهم... آمين. وأخيراً أقول: من يعمل الخير لا يعدم جوازيه لا يذهب المعروف بين الله والناس