في حين تشهد علاقة الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي مع إيران جولات من الشد والجذب ضمن مفاوضات حول برنامج طهران النووي الذي تعتبره واشنطن واجهة لصنع قنابل ذرية يأتي كتاب (قصة الثورة الإيرانية) ليضع القارىء أمام الفصول الأولى من صراع عمره أكثر من ربع قرن. وقال مؤلف الكتاب سبهر ذبيح وهو كاتب أمريكي من أصل إيراني يعمل أستاذا بجامعة كاليفورنيا إن ما وصفه بانهيار الولاياتالمتحدة في إيران قبل عام من نجاح ثورة الزعيم الديني آية الله الخميني هو الذي حسم السلطة بعيدا عن عرش الشاه. وأشار إلى أن نظام الشاه اعتمد على أمريكا اعتمادا كليا واصفا إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر بالارتباك أثناء الفوران الثوري الذي استمر عاما كاملا كما عجز جهاز المخابرات الإيراني عن التقدير وأدت هذه العوامل إلى «انهيار الولاياتالمتحدةالأمريكية في إيران». وترجم الكتاب إلى العربية عبد الوهاب علوب الأستاذ بكلية الآداب جامعة القاهرة وصدرت الترجمة عن المجلس الأعلى للثقافة بمصر وتقع في 304 صفحات من القطع الكبير. وقاد الخميني من منفاه بباريس ثورة أدت إلى الإطاحة بالشاه وقيام الجمهورية الإسلامية في إيران عام 1979 وتوفي الشاه في يوليو - تموز 1980 بالقاهرة. وقال ذبيح إنه بعد نجاح الثورة وقيام الطلبة الإيرانيين باحتجاز الرهائن الأمريكيين 444 يوما كان الخميني مقتنعا «بأن الانتصار الحاسم تحقق على الشيطان الأكبر (الولاياتالمتحدة) لكنه أوحي إلى الطلاب المناضلين بالشرط الذي يمنع إطلاق سراح الرهائن تحت أي ظرف إلا بعد ترك (الرئيس الأسبق جيمي) كارتر لمنصبه رسميا». وأضاف في كتابه الذي حمل عنوانا فرعيا هو (سرد محايد ليوميات الثورة الإيرانية) أن الخميني «اقتنع سواء عن سذاجة أو لعدائه الشخصي لكارتر بذريعة الطلاب المناضلين». وقال إن السهولة التي تم بها الاستيلاء على السفارة الأمريكية «وسرعة الطلاب المناضلين في السيطرة على وسائل الإعلام الحكومية أثارت دهشة الكثيرين ومن بينهم الطلاب أنفسهم». وأضاف ذبيح أن الرئيس الأمريكي الذي جرد حملة عسكرية «فاشلة» لتحرير الرهائن بدا «ضعيفا ومترددا... الرهائن لم يتعرضوا لأي أذى بدني على الرغم من التهديدات المتكررة التي لم يأخذها مأخذ الجد إلا الرئيس الأمريكي المذعور». وقال ذبيح إن الثورة انحرفت عن مسارها الأصلي «حين أعلنت دستورا دينيا مثيرا للجدل». وأشار إلى أن إيران شهدت ثلاثة أحداث كبرى في القرن العشرين أولها الثورة الدستورية بين عامي 1906 و1911 لإقامة نظام ملكي برلماني ليبرالي «إلا أنها أدت إلى قيام الدكتاتورية البهلوية الأولى في عام 1925. وسعت الحركة الوطنية في عهد (الدكتور محمد) مصدق (1880 - 7691) في أوائل الخمسينيات إلى تأمين استقلال إيران كمقدمة لقيام ديمقراطية دستورية تقوم على أساس شعبي إلا أنها أسفرت عن قيام الدكتاتورية البهلوية الثانية». وقال إن «الثورة الحقيقية التي قامت عامي 1978 و1979 حاولت القضاء على كل أشكال الدكتاتورية قضاء مبرما إلا أنها وعلى الرغم من كل شيء مهدت الطريق لقيام سلطة دينية أشد استبدادا وكانت هذه الثورة الأخيرة فاتحة عهد من الفوضى والاضطراب لم يسبق له مثيل بحيث يمكن اعتبارها ثلاث ثورات متعاقبة ومستمرة لا ثورة واحدة.. «الأولى أطاحت بالشاه (محمد رضا بهلوي) واستغلت الثانية روح الكراهية المتطرفة لأمريكا لإقامة جمهورية إسلامية وأحالت الأخيرة الجمهورية إلى نظام ثيوقراطي أصولي ذي حزب واحد». وأوضح أنه كان هناك إجماع في خريف 1978 على ضرورة إنهاء حكم الأسرة البهلوية ولكن معارضي الشاه تفتتوا بمجرد أن «شرع الأصوليون في إقامة حكومة ثيوقراطية بدلا من تأسيس ديمقراطية تعددية أو جمهورية ماركسية حسبما توقعت فئتان أخريان على الأقل كانتا تدعيان الحق في السلطة. ويمكن القول إن الثورتين الأخيرتين قامتا لا لتجريد هاتين الفئتين من السلطة وحسب بل أيضا لسلبهما حق تحدي سلطة الأصوليين الشيعة». وأشار إلى أن القوى العلمانية التي قال إن بعضها تصدر حركة العصيان التي انتزعت السلطة عام 1979 «أبادتها الثورة تدريجيا. وكانت ذروة هذه الإزاحة المطردة لقوى المعارضة عزل أول رئيس للجمهورية الإسلامية في يونيو (حزيران) 1981» في إشارة إلى أبو الحسن بني صدر. وقال ذبيح إن الجمهورية الاسلامية اضطرت في الاشهر الثلاثين التالية لقيامها لتبني موقف سياسي «من كل القضايا فكانت أزمة الرهائن والغزو السوفيتي لأفغانستان والأهم الغزو العراقي لإيران». وأضاف أن العلاقات الأمريكيةالإيرانية كان لها «أثر في غاية الخطورة على مكانة إيران في العالم... أدى انتصار الثورة إلى وضع الولاياتالمتحدة في مواجهة مفاهيم عديدة عن إيران». وتتزعم أمريكا حركة دولية داعية إلى تجميد مشروعات إيران النووية بحجة الحفاظ على نظام حظر الانتشار النووي عالميا كما خلصت الوكالة الدولية للطاقة الذرية الشهر الماضي إلى وجوب إحالة إيران إلى مجلس الأمن بحجة أنها لم تقنع المجتمع الدولي بأن برنامجها النووي سلمي تماما. في حين تنفي إيران سعيها لامتلاك أسلحة نووية وتقول إن برنامج الوقود النووي الذي أخفته عن الوكالة لمدة 18 عاما يهدف لتوليد الكهرباء وليس لصناعة قنبلة.