لا تزال أزمة نقص العمالة المتخصصة في مشاريع الإنشاء في السعودية، تتصدر أبرز التحديات التي يواجهها القطاع العقاري خلال السنوات الأخيرة، في وقت تعتمد فيه صناعة الإنشاءات بقدر كبير على الأيدي العاملة الأجنبية، مع عدم توافر الأيدي العاملة السعودية في المهن التي تتطلبها هذه الصناعة بالشكل المطلوب. والسوق السعودي كان وما زال يعاني ندرة العمالة في قطاع المقاولات والتشييد، خاصة وأن هذا القطاع يشهد طلبا متزايدا على العمالة الفنية في ظل وجود خطط واسعة لتنفيذ العديد من المشروعات الضخمة، مع وجود صعوبات كبيرة في سعودة وظائف البناء والتشييد، سواء لجهة اعتماد مثل هذه الوظائف على أعمال ميدانية وشاقة جسدياً، أو لقلة دخلها المادي. وفي مبادرة لافتة للنظر، شرعت إحدى أكبر شركات التطوير العقاري في التعاقد مع شبان سعوديين للعمل في بعض المهن التي تتطلب حرفية مثل الدهان والنجارة والحدادة والسباكة والبلاط، وذلك في احد مشروعاتها السكنية التي تقوم بتطويرها حالياً في الرياض، في محاولة تهدف إلى تعزيز جهود إحلال العمالة المواطنة وتشجيع خريجي المعاهد المهنية للانخراط والعمل في مثل هذه المشاريع. ورغم أن هؤلاء السعوديين الذين تم التعاقد معهم مؤخراً من قبل شركة مسكن العربية للتطوير والاستثمار العقاري يمثلون أعداداً «قليلة جداً» لا تتجاوز أصابع اليدين، إلا أن الشركة تتطلع إلى أخذ زمام المبادرة في استقطاب الكوادر الوطنية وتدريبهم عملياً على المشاريع الحالية دون تأثر كفاءة وجودة مثل تلك المشاريع، وبالتالي توفير فرص أكثر للقوى العاملة الوطنية في مهن المقاولات. وفي هذا الخصوص، أكد المهندس حسام الرشودي، الرئيس التنفيذي لشركة مسكن العربية، أن قطاع المقاولات والتشييد في السعودية يواجه أزمة نقص في العمالة المتخصصة، مع وجود حركة عقارية غير مسبوقة تعيشها السعودية انعكست بدورها على جميع القطاعات المرتبطة بالإنشاءات العمرانية، في حين تواجه الشركات صعوبات كبيرة في استقدام العمالة نظير الشروط والاجراءات الحكومية التي تهدف إلى ضبط تدفق القوى العاملة الوافدة ورفع تكاليف استقدامها، الأمر الذي أدى إلى حدوث ارتفاع كبير في قيمة خدمات العمالة الإنشائية المتوفرة حالياً في السوق. وأكد المهندس الرشودي، أن قطاع المقاولات والتشييد في السعودية يشهد كذلك نقصاً كبيراً في الكوادر الهندسية والعمالة الفنية السعودية الماهرة، وأن مبادرة الشركة في توظيف عدد من السعوديين للعمل في مجالات البناء يأتي دعماً لبرنامج توطين وظائف قطاع الانشاءات، معتبراً أن ثقافة العمل بقطاع المقاولات جعلته جاذبا أكثر للوافدين الذين يحرصون على المزيد من الكسب مهما طالت ساعات العمل في أعمال البناء، في وقت تعتبر فيه الإنشاءات والمقاولات أكبر مشغل للوافدين. وشددّ على أن قطاع الإنشاءات في السعودية حالياً غير جاذب للمهنيين والاختصاصين السعوديين لوفرة الفرص في القطاعات الأخرى، إلى جانب اعتماد صناعة الإنشاءات على مفهوم المشاريع المحددة المدة بما لا يعطي الانطباع في الاستقرار الوظيفي، معرباً عن أمله في أن تسهم المشروعات الإنشائية الحالية في توفير فرص أكثر للقوى العاملة الوطنية، وضرورة العمل على إطلاق مبادرات تحفيزية لتوطين المهن الدنيا في قطاع الإنشاءات وتدريبها لتصبح قيادية في هذا المجال كونها شاقة وغير مرغوبة من قبل كثير من السعوديين. في المقابل، قال فهد الغفيص، المتخصص في الموارد البشرية، انه رغم الفرص الكبيرة التي يوفرها قطاع المقاولات والتشييد واستثماراته الضخمة، تواجه الشركات السعودية شحاً كبيراً وانخفاضاً في عدد الكوادر الوطنية للعمل في هذا القطاع الحيوي، حيث لا يزال الوافدون يشغلون معظم المناصب، ويعود ذلك إلى عدد من العوامل ومنها عدم وجود الأفراد المؤهلين وأصحاب الخبرة السعوديين من جهة، وتفضيل هؤلاء للعمل في الجهات الحكومية من جهة أخرى. وحذر الغفيص من تفاقم نقص الكوادر الماهرة في ظل ضخامة المشروعات الإنشائية الحالية، مطالباً الجهات الرسمية المعنية ب«المزيد من التسهيلات في إصدار تصاريح العمل وإجراءات جلب العمالة بشكل سريع، وتوفير مكاتب متخصصة ومعتمدة لإمداد الشركات التي تعاني نقصا في كوادر هندسية أو عمالة فنية، بحاجتها بنظام التعاقد محدد المدة، لأجل منع حدوث أزمة في المستقبل القريب بقطاع المقاولات والإنشاءات خصوصاً في ما يتعلق بمواعيد تسليم المشروعات والخطط الزمنية لتنفيذها. وأكد أن قطاع المقاولات والتشييد ليس هو القطاع الوحيد الذي يواجه هذه التحديات، حيث ان شركات التطوير العقاري والاستشارات الهندسية هي الأخرى تواجه تحديات كبيرة لجهة توفير وتوظيف كوادر وطنية كافية تعنى بمتطلبات السوق، خاصة في الوظائف المتوسطة والعليا، مضيفاً:"يبلغ عدد المهندسين العاملين في القطاعين العام والخاص قرابة 170 ألف مهندس، في الوقت الذي يقدرّ فيه عدد المهندسين السعوديين بنحو 30 ألف مهندس تبلغ نسبة المؤهلين والمزاولين للمهنة منهم 17 في المئة فقط". وأرجع الغفيص انخفاض هذه النسبة مقارنة بعدد السعوديين حاملي الشهادات الهندسية، إلى عدم وجود مسار واضح مهني للمهندسين تتوافق مع احتياجات سوق العمل، إلى جانب غياب الدعم من قبل صندوق الموارد البشرية لمثل هذه الوظائف بعكس الوظائف الاشرافية أو الادارية وعدم مساهمة صندوق الموارد مع الشركات في تحمل تكاليف الدورات التدريبية للمهندسين من اجل تقديم دورات ذات جودة عالية".