عندما تتجول في عاصمة النيجر (نيامي) سوف تغنيك المشاهد الاجتماعية والاقتصادية عن زيارة القرى والأرياف حيث أن الوضع في العاصمة وهو المؤشر في الغالب على وضع الدولة من جميع النواحي يؤكد لك وضعها المأساوي، ان النيجر بشكل عام ممثلة في محافظاتها وقراها لن تكون بأحسن حالاً من العاصمة وهذا المؤشر يدل على أن النيجر تقع تحت خط الفقر بل إذا كان هنالك مؤشر يتجاوز الانحدار تحت خط الفقر لاشك أن النيجر ستتبوأه في العاصمة وأنت تجول في أحيائها تعود بك الذاكرة للوراء لتتذكر قصص أجدادنا عن الفقر الذي كانت تعيشه المملكة قبل توحيدها على يد المغفور له الملك عبدالعزيز طيّب الله ثراه. 80٪ من السكان عاطلون عن العمل كأعلى نسبة بطالة في العالم ويعود السبب لعدم توفر مصادر تساعد على البحث عن وظيفة لهذا تمتلئ جنبات الشوارع بالعاطلين عن العمل جلوساً طوال النهار ونياماً في نفس المكان غالباً في الليل فأكلهم اللحم المشوي على النار وعلى بعد أمتار تجد أناسا يجتمعون على نار يشوون عليها اللحم أو يطبخون عليها الدخن والذرة.. هذا هو زادهم اليومي وفي كل الوجبات. أما مياه الشرب فهذه معاناتها لا تقل عن معاناة الأكل وبطبيعة الحال لا توجد شبكة مياه ..فقط عدد من الآبار الجوفية تقوم ببيع الماء على السقايين بأسعار زهيدة ويقومون ببيعها من خلال المرور بها على المنازل والتي هي عبارة عن خزان معدني صدئ وهذا أحد أهم أسباب انتشار الأمراض بسبب المياه الملوثة. وفي العاصمة تكثر البيوت المتعددة الغرف وغالب البناء من الطين وتنتشر العشش الهرمية التي يسمونها (المداشر) بمساحة لا تتجاوز 3*3م2 وبسبب المجاعة التي عصفت بالنيجر تقاطر السكان على العاصمة هرباً من الجوع ظناً منهم بأنهم سيجدون المأكل والمشرب ولم يجدوا مسكناً لهم سوى الشوارع يفترشونها في الليل. ومن الملفت للنظر أن ترى صفوفاً طويلة تغط في النوم من كل الفئات ،الرجال والنساء والأطفال وقد افترشوا الأرض بعد أن أعياهم الترحال وعجزوا عن تأمين مسكن يأويهم وفي شوارع نيامي لن تجد سوى عدة شوارع مسفلتة ومنارة والبقية شوارع ترابية وغير معبدة وهنا يكثر التعرض للأمراض بسبب الأتربة والمستنقعات المائية عند هطول الأمطار التي تحول الشوارع إلى بحيرات مائية ولا توجد مطاعم للوجبات السريعة سوى المطاعم الشعبية التي في الغالب تقوم بتجهيز السندوتش بالجبن البلدي وتقديم الذرة والدخن في صحون صغيرة وبأسعار مرتفعة. ومع أنني شاهدت مآسي يندى لها الجبين في نيامي.. مآسي الفقر والتشرد والمرض إلا أن هنالك ما يفرح ويبهج الصدر وهو محافظتهم على الصلوات وأدائها في أوقاتها صغيرهم يسبق كبيرهم رجالاً ونساءً يفترشون الشوارع لقلة المساجد وصغر حجمها في منظر إسلامي قل أن تشاهده في الكثير من الدول الإسلامية وهو حرصهم الشديد على أداء الصلوات في أوقاتها كذلك عدم تعرضهم لارتكاب جرائم السرقة والنهب لقوة العقوبات بحق كل مرتكب لجريمة ما ولنظرتهم بأن ذلك يدخل ضمن الأمور المحرمة وهو الاعتداء على ممتلكات الآخرين حتى ولو قادهم الجوع للموت وكم أدهشني الوضع الأمني حيث يطلق على شعب النيجر الشعب المسالم.. وللاطلاع على الأمور الإغاثية واحتياجات المواطنين ذهبت إلى مكتب منسق خلية الأزمة الغذائية بالنيجر المرتبط برئاسة رئيس مجلس الوزراء وهي خلية دائمة وليس وقت المجاعة. التقيت بالمنسق الأستاذ بكري سيدو الذي طلب مني مرافقته مع منسوبي مؤسسة الإعمار التابعة لرابطة العالم الإسلامي لزيارة عدد من القرى بهدف توزيع معونات مؤسسة الإعمار من الدخن والذرة على سكان القرى والأرياف لأرى على الواقع الوضع المأساوي الذي ظهر أكثر مأساوية من وضع سكان العاصمة (نيامي) وفي حوارنا ونحن على الطريق متجهين إلى تلك القرى. قال سيدو ل «الرياض» ان مهمة خلية الأزمة الغذائية هي التدخل في حالة الأزمات الغذائية وهي هيئة تتبع للحكومة لمساعدة المواطنين. وحقيقة الوضع حالياً في تحسن ببعض المحافظات الحصاد بدأ والجهود في توزيع الإغاثة ساهمت في الحد من المجاعة ومع ذلك هنالك مناطق بحاجة قصوى للمساعدة وخصوصاً محافظات (تروري - ولم - أبلق فيلنقا - اللبليا - تنتا برونت) وتعتبر «كولو» من المناطق الأكثر تضرراً. وحالياً وبعد أن خفّت المعاناة وبدأت تعود إلى طبيعتها بدأنا في التركيز بالمحافظة على التوازن الغذائي من خلال المخزون الغذائي الذي استنفدته النيجر خلال المجاعة ونحاول حالياً تعويض ذلك بالشراء من المزارعين لإعادة المخزون إلى ما كان عليه في السابق لمواجهة أي مجاعة طارئة لا سمح الله وهذا ما تعودنا عليه في النيجر لمواجهة الأزمات وكانت الخلية وزعت 23 الف طن من الحبوب هي سعة المخزون بالإضافة إلى 3 مليارات فرنك سيفا وزعت نقداً على المحتاجين ونحتاج إلى 10 مليارات فرنك سيفا قرابة 20 مليون دولار أمريكي و110 آلاف طن من الحبوب تودع بالمخزون الاستراتيجي. ويضيف: مع المجاعة التي حلت بالنيجر قبل أشهر من الآن انتشرت أمراض عديدة منها أمراض لأول مرة وأشهرها الكوليرا وسببها المياه غير الصالحة للشرب والملاريا وهي متوطنة في النيجر بشكل دائم حيث تعتبر من المناطق الدائمة الوباء بهذا المرض ويشدد على المساعدات الإسلامية التي وصلت من عدد من الدول العربية والإسلامية وأبرزها المملكة والإمارات ونيجيريا والكويت والجزائر والمغرب ورغم أنها ليست كميات كبيرة ولكنها جاءت في وقتها المناسب وتعتبر رابطة العالم الإسلامي من أوائل المنظمات الإسلامية حضوراً ومساندة إلى جانب جمعية مسلمي أفريقيا حيث قدمت الرابطة 650 طنا من الحبوب قامت وتقوم بتوزيعها على المحتاجين من اصل 1000 طن اعتمدتها الرابطة. وأشاد بتعاونها المباشر مع الحكومة بينما بعض المنظمات العالمية تتعامل من خلال برنامج الغذاء العالمي وهناك منظمات عالمية لا يمكن أن تقول لهم لا نريد مساعدتكم لعدم وجود البديل من الدول الإسلامية وأطمئنكم أنه ليس لديهم أي تأثير في عملية التنصير وهم يعملون في إطار إنساني وهناك مساعدات عن طريق منظمات كرسيتان ومنظمات تنصيرية أخرى محدودة. وعلى طول الطريق المؤدي إلى تلك القرى تتوزع نقاط استحصال الرسوم من السيارات المارة بالطريق بطريقة بدائية تتمثل في حبل يرفعه مسؤول الأمن حتى يستحصل الموظف الآخر الضريبة ولغلاء البنزين تجد الكثير من السيارات المتوقفة على جنبات الطرق لعجز أصحابها عن توفير قيمة البنزين فتركوها واقفة. وتشهد النيجر خلال هذا الوقت اخضراراً للأرض ومدته في الغالب شهران وتتحول الأرض إلى أرض قاحلة ماعدا الأشجار المستديمة. ويشيد بكري بدور المنظمات العالمية والتي لها دور كبير في الأزمة ومنها منظمة أطباء بلا حدود - منظمة أكسيوم - منظمة قوجل وهي منظمات ضد المجاعة وطابعها نصراني وتعمل في مجال إنساني ويرى أن الدول الإسلامية تحركت بسرعة عندما حدث المد (تسونامي) فيما تأخرت عن النيجر وعلى الدول الإسلامية معرفة أن هنالك دولا أجنبية تساعد الدول الفقيرة بشروط صعبة يدفعون مقابل ما يأخذونه تتمثل شروطهم في اختراق العادات والتقاليد للمسلمين. ويؤكد أن هذه الأزمة الغذائية ممكن أن تتكرر في أي وقت وفي حال تكرارها يكون المخزون الاستراتيجي الملجأ الوحيد لمساعدة المحتاجين. ولقد تسلمنا من المملكة 100 طن من التمور ومما يلفت النظر وجود أطفال عراة أو يلبسون فقط سروالا باليا حتى كبار السن ملابسهم ممزقة ومهترئة يقول بكري سيدو ذلك يعود إلى غلاء الملابس وليس لدى الأطفال سوى لبس أو لبسين يرتدونه عند الذهاب الى المدرسة أو في الأعياد وأصبح يمثل عادة من العادات السيئة ولكنها ظروف الفقر التي لا مفر عنها حتى البطانيات وقت البرد لا يجدونها ويبقون عراة هكذا وبهذا تكثر ضربات الشمس وأمراض البرد ويكتفي المواطنون بالاعتماد على الدخن كغذاء رئيسي ووقت الغداء شوربة دخن باردة مع حليب البقر وفي المساء عصيدة من الدخن ويقتني جزء منها لوجبة الإفطار ويعتمد المواليد على حليب الأم. وتعاني الأمهات من مسألة تزايد الأطفال مما يحرم الأطفال حقهم من الرضاعة ومن الرعاية وعند عودتنا من مدينة «باليارا» على بعد 100 كم عن العاصمة ومعنا متطوعون من سعوديين يعملون مع الرابطة في توزيع الإغاثة ولشدة الجوع الذي يعتصرنا توقفنا عند أحد المنتزهات لشوي لحم خروف تم شراؤه من أحد الباعة وعندما أشعلنا النار تفاجأنا وقد تجمهر علينا العديد من الأطفال والرجال والنساء بما فيهم شيخ احدى القرى القريبة منا مما جعل مدير مؤسسة الاعمار عبدالله المرزوقي يطلب شراء خروف آخر لتقديمه مع نصف الخروف الخاص بنا وعددنا 10 أشخاص الى هؤلاء الأسر الذين بقوا معنا حتى ادركنا المكان عند منتصف الليل. وكان المواطنون وبرغم حاجتهم إلا أنهم يتمسكون با لنظام واحترام عملية التوزيع وإيثار بعضهم على البعض لهذا يسير التوزيع بطريقة سهلة ويحملون نصيبم على العربات اليدوية أو الحمير والتي يستخدمها موظفو الرابطة أيضاً لإيصال المساعدات الى بعض القرى التي يتعذر وصول السيارات إليها وهو جهد مضنٍ لاشك في ذلك ويحصل الفرد على 10 ك من الدقيق بحيث تحصل الأسرة المكونة من 10 أشخاص على كيس دقيق زنة 100 ك يكفيها قرابة الشهر وفي حديث مع شيخ القرية قال: قبل 3 أشهر من الآن اضطررنا للاعتماد على أكل أوراق الشجر لعدم وجود أي مأكل بقريتنا وبقينا على هذه الحالة حتى عاد بعض المواطنين من العاصمة ومعهم بعض المعونات. ويذكر أن هذه المجاعة حدثت قبل 5 سنوات ولكنها لم تكن بهذا الحجم حيث أكل الجراد اليابس والأخضر اضافة الى الجفاف الذي عم البلاد ويطبخون أوراق شجر (قربي) 3 مرات في اليوم لثلاث وجبات ويعزو الشباب الجلوس الى عدم وجود فرص عمل مما اضطرهم للبقاء على هذا الوضع ومنهم من يدرس في مدارس تحفيظ القرآن الكريم والمدارس الحكومية وعلى الأرض وبدون وسائل تعليمية حديثة. غداً في الحلقة الثالثة ٭ «الرياض» تحاور فخامة رئيس جمهورية النيجر ٭ الرئيس تنجاماما دو يشيد بالعلاقات بين البلدين ٭ المملكة على رأس الإسلام ونعول على الملك عبدالله للوقوف بجانبنا ٭ 30٪ من المدارس الحكومية تدرس اللغة العربية ونريد التقرب من الدول العربية والإسلامية ٭ الصحة والمياه مشكلتنا والحل بمشاريع طويلة المدى