هناك مثل دارج بين الناس يقول "جاور السعيد تسعد".. وكل من سكن في حي متواضع يدرك صحة هذه المعادلة كون خدمات الحي تكتمل فجأة وتضاف طبقة أسفلت جديدة (لا تزول بمياه الأمطار كمعجون الأسنان) بمجرد سكن أحد المسؤولين في الحي. على أي حال؛ مقالنا اليوم لا يتعلق بالشأن المحلي بل بشيء يدعى المحاكاة النفسية.. فرغم أن عنوان المقال يتحدث عن "المجاورة" إلا أننا سنتحدث عن "المرافقة" ومشاعر الفرح والسرور التي نشعر بها بمجرد تواجدك برفقة انسان مرح ومضحك بطبعه؛ فهناك دراسة جادة أجراها علماء "هارفارد" تؤكد أن السعادة معدية (مثل البؤس والحظ الرديء) وأنها تنتقل بين أفراد العائلة والأصدقاء بطريقة سريعة ومؤكدة. وتبيّن من الدراسة أن التعرف على شخص مرح ومضحك يزيد بنسبة 13.3 بالمئة من سعادة الانسان، وأن الصديق السعيد بطبعه يرفع بنسبة 9.8 بالمئة من سعادتك - بل اتضح أن سعادة الأبوين بصديق ابنهما المرح يرفع من نسبة سعادتهما بنسبة 5.6 بالمئة (وكل هذا يفسر لماذا كان الأباطرة والسلاطين يحيطون أنفسهم دوما بأشخاص مرحين ومهرجين مضحكين). وأوضح الدكتور نيكولاس كريستانيس المشرف على الدراسة أن الأشخاص المرحين يعيشون أكثر من غيرهم حتى وإن كانوا يعانون من أمراض مزمنة. وكان قد راقب مع زملائه العلاقات التي تربط بين خمسة آلاف شخص على مدى سنوات، واكتشف أن الأشخاص المرحين يبثون البهجة بالمحيطين بهم ويشكلون محوراً لصداقات كبيرة يجمعها شعور أفرادها بالسعادة حوله (وبكلام أقل تعقيدا؛ تذكر شخصا مرحا يجتمع أصدقاؤك حوله حينا بعد حين)! وكان الطبيب الهندي "مادان كاتاريا" قد أسس مدرسة طبية تعتمد على الضحك بلا سبب (ونحن الذي كنا نعده قلة أدب).. فخلال ثلاثين عاما من عمله كطبيب لاحظ أن الأشخاص المرحين والضاحكين نادرا ما يصابون بأمراض القلب والرئة والاضطرابات النفسية. وفي عام 1995 أنشأ في مومباي أول ناد للضحك الجماعي بهدف تحسين الصحة وتعديل المزاج.. فالضحك المصطنع يخدع الدماغ (الذي يعتقد أن هناك سببا حقيقيا للضحك) فيفرز مواد طبيعية مهدئة ومرخية للعضلات تشعرنا بالبهجة والسرور.. ولزيادة فعالية هذا النوع من العلاج ينظم الدكتور كارتاريا جلسات الضحك بشكل جماعي كوننا نميل للضحك حين نرى حولنا من يفعل ذلك - حتى دون معرفة السبب.. ومنذ ذلك الحين انتشرت الفكرة وبدأت نوادي الضحك العلني تنتشر في معظم الدول - وظهر منها حتى اليوم 17 في الصين و19 في أوروبا و34 في أمريكا. ولكن.. ماذا لو كنت لا تملك حولك شخصا مرحا أو سعيدا؟ ماذا لو كنت تعيش بين أشخاص يعتقدون أن العبوس والتجهم من مظاهر الصلاح والتقوى!؟ في هذه الحالة اخلق لنفسك أنت أجواء مرحة من خلال تصنع الفرح والضحك والشعور بالسعادة ذاتها.. فكما أننا نضحك حين نكون سعداء، اتضح إمكانية (حدوث العكس) وأن مجرد تصنعنا للضحك يجلب لنا السعادة والشعور بالخفة والتفاؤل. ورغم أن الضحك العلني - على طريقة مادان كاتاريا - يستدعي لدينا ركوب جيب الهيئة؛ إلا أن هذا لا يلغي حقيقة أنه مفيد لعضلة القلب وحركة الرئتين وتسريع الدم وامتصاص الأوكسجين بما يوازي التمارين الرياضية. وخذها نصيحة؛ إن خشيت اتهامك بخفة العقل - حتى داخل المنزل - فشاهد على اليوتيوب خمسة مقاطع مضحكة في اليوم.. على الأقل.!