-1- أمسكت بيدي، تمعنت بتفاصيل خطوط كفي وقالت: يوما ما ستخون، ولن ينعتك أحد بالخيانة، و يوما ما ستكذب، وسيصدقك الكل، ويوما ما ستفرح على أحزان الآخرين، ويوما ما ستكون غيرك، وسيعرفك الناس بغيرك، وصدقني يا بني.. يوما ما ستندم على كل شيء، فلا تتعجل ذلك، سواء رضيت به أم لم ترض، سيدفعك الكل أن تترك نفسك خلف باب داركم، لتظهر للكل بالشكل نفسه الذي ظهر به غيرك، فلا تبتئس لذلك، أعطي الكل، فإذا يوما ما فقدت عطائك، ستكون بعيونهم ميتاً، فلا تمت وأنت معهم!.. سحبت يدي من كفها، تركتها تعد مالي وتبحث عن ضحية أخرى، قد تقول له نفس الكلمات. -2- ندمت على تصرفي ذلك، وخفت من خالقي، فركعت وسجدت طالباً من ربي الغفران، لقد خنت مبادئ تربيتي، خنت نفسي، واتجهت للطريق الخطأ، فليسامحني الله ويغفر لي فعلتي تلك! شكيت لصديقي ما أصابني، ابتسم وقال لي:- كلنا نقترف الذنب.. وباب التوبة لله مفتوح! رجعت لداري، فتحت الباب لأجد أمي تنتظرني، قالت لي:- = أين كنت كل هذه المدة ؟! كذبت عليها وقلت:- مع صديقي! = ابنة عمك انفصلت عن زوجها، هل لا زلت تريدها؟! بقلب ملؤه الفرح قلت:- نعم أريدها.. أريدها. = لتنتهي فترة العدة وسأزوجك إياها. حينها قبلت رأس أمي، وقدمي لا تكاد أن تلامس الأرض من فرحتي! -3- تزوجت بنت عمي، بعدما ندم ابن عمي على طلاقها، وحين علم بزواجي من مطلقته، تناثر الحزن على وجهه وأعتزل الناس جميعا. تغيرت حياتي جذرياً بعد زواجي من ابنة عمي الغني، فأصبح الكل يعاملني باحترام وتقدير لأجل نفوذ عمي وسطوته، فتحت كل الأبواب المغلقة والتي أخاف من الاقتراب منها. أصبحت إنساناً مهماً.. هناك من يفتح لي باب سيارتي وهناك من يغلقه خلفي. وجدت الكل وقد تغير لفظه ومناداته لي، وأصبحوا بعد زواجي يريدون رضاي فقط، بغض النظر عما يريدون. ولكن نفسي التي التصقت بجسدي قبل خمسة وعشرين عاماً لم أجدها. لم أجد الضحكة الصادقة كما لم أجد أصدقائي الذين كانوا. لم أشاهد صاحب الدكان الذي يسجل كل ما أشتريه لأول الشهر. ذهبت بساطتي ووجودي، وأصبحت أمام الكل زوج بنت الشيخ ! حاولت أن أرسم وجهي في عيون من حولي، فوجدتهم يمسحون ما أرسم من عيونهم ويرسمون وجه عمي الشيخ، حتى أنهم نسوا أسمي ونادوني بألقاب لم أتصورها أن تسبق اسمي -4- قال لي صديقي:- دعهم يرونك كما يرون أبو زوجتك، ففي كل الأحوال أنت المستفيد، دع شخصيتك خلفك وأظهر لهم بالصورة التي يريدونها وعاشوا عليها، دعهم يتساقطون خلفك برضاهم، أغدق عليهم بالعطاء ولا تبخل عليهم، فهم لا يجدون أنفسهم إلا مع القوي، ليشعروا بقوتهم منك، وإن لم تفعل ذلك سيولون عنك يبحثون عن القوي، وستظل أنت نتاج عمك فقط، وقد يضعونك في سجل الأموات. فكرت فيما قاله صديقي.. كنت أريد أن أضمه لصدري وأبكي أيامي الخاوية، وحين هممت بفعل ذلك وجدت صورة عمي تحذرني من ذلك. نبهني صديقي على سرحاني بعيداً عنه.. فقلت له "كذب المنجمون ولو صدقوا".