وعساكم من عوده البشر بطبيعتهم يحبون الفرفشة والتفلت , و لكل شعب مناسبات سارة تعاد عليهم كل عام , يحتفلون و يتفارحون بها : عيد شم النسيم عند الفراعنة , وعيد الاولمبياد عند اليونان, وعيد الحب (القديس فالنتين )عند الرومان , وعيد هيشا وعيد الفصح عند اليهود , وعيد النيروز عند الفرس وعيد المسيح وعيد القيامة وعيد الغطاس عند النصارى , وعيد البلوغ وعيد شووا عند اليابانيين , أما الهنود فلديهم من الأعياد تعجز أيام السنة عن استيعابها , وكل الأعياد منشأها مناسبات دينية أو وطنية أو اهتمامات اجتماعية والقاسم المشترك فيها هو الفرح والسرور و الثورة على الرّتابة . العرب قبل الإسلام كان لهم أعياد ومناسبات كغيرهم من البشر و لمَّا هاجر النبيَّ - صلَّى الله عليْه وآله سلَّم - إلى المدينةالمنورة وجَدَهم يلعبون في يومين، فقال: (ما هذان اليومان؟) قالوا: كنَّا نلعب فيهما في الجاهليَّة، فقال - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: (قد أبدلكم الله بهما خيرًا منهما: يوم الأضحى ويوم الفطر) مواسم للعبادة والتقرب إلى الله تعالى , عيد الأضحى يأتي بعد الوقوف بصعيد عرفة حين ينظر المولى تبارك وتعالى إلى عباده شعثا غبرا يلتمسون العفو والمغفرة فيقول تبارك وتعالى لملائكته ( ماذا يريد هؤلاء : أشهدكم أني قد غفرت لهم ) فيفرح الحجاج بهذه المكرمة ويفرح لفرحهم جميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها في شمالها وجنوبها ويعلنوا عيدا سعيدا. وعيد الفطر يأتي بعد موسم المرابحة صيام نهار شهر رمضان وقيام لياليه يبتغون رحمة الله ومغفرته والنجاة من النار ومن تمكن من ذلك إيمانا واحتسابا ( غفر له ما تقدم من ذنبه ) فيفرح المسلمون بهذه المكرمة ويعلنوا عيدا سعيدا والرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقول للصائم فرحتان فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه . تمام العبادة والطاعة جعله الله لنا عيدا ( ... ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون ) كيف لا والله تبارك وتعالى يقول ( فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز ) بل قمة الفرح والسرور والحبور. هيا إذن نشكر الله على ما هدانا بتمام شهر الصيام و نعلن تهانينا الصادقة للشعوب المسلمة ونعبر عن صفاء قلوبنا وننشر الحب بين الناس ونظهر السرور والحبور في محيانا وعلى من حولنا و نوسع على أبنائنا ونصل رحمنا ونطعم فقيرنا ونكسي عارينا ولا ندع في قلوبنا غلا ولا حقدا على مسلم .نحتفل جميعا بالعيد فرحا وسرورا . عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل أبو بكر، وعندي جاريتان من الأنصار تغنيان بما تقاولت الأنصار يوم بُعاث، قالت: وليستا بمغنيتين. فقال أبو بكر: أمزامير الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ وذلك في يوم عيد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يا أبا بكر، إنّ لكل قوم عيدًا، وهذا عيدنا ) أخرجه البخاري. لا يكفي بعث التهنئة بالعيد والتعبير عن السرور بأجهزة الاتصال الحديثة ولا تغني الرسالة الصوتية أو المرئية عن المقابلة والمعايدة والمعانقة فالنفس تظهر مشاعرها بالأقوال والأفعال على تعبيرات الوجه وحركات الجسد , والنظر إلى وجوه السعداء تبعث السعادة , وجالس الفائزين تظفر بالنجاح خصوصا الوالدين ثم الأقرب فالأقرب . زار رجل الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه في يوم عيد الفطر فوجده يأكل طعاما خشنا فقال له: يا أمير المؤمنين : تأكل طعاما خشنا في يوم العيد ؟ فقال له الإمام علي كرم الله وجهه: ( اعلم يا أخي أن العيد لمن قبل الله صومه وغفر ذنبه ... ) وهذا العلم بلا شك من فضل زيارة الأخيار. من صام وقام شهر رمضان ويتطلع إلى القبول! لا ينغص فرحة تمام العبادة بمقاربة المحرمات والموبقات ويختم عمله الصالح بالمنكرات فيتهاون بالصلاة المكتوبة وينغمس في الاختلاط المبتذل بين الأسر , وحضور حفلات التهريج والغناء والمجون, والمفاخرة بالإسراف والتبذير, فيهدم كل ما بناه في صيامه و قيامه . و بعض الناس، يجعل الأعياد مواسم لفتح الجراحات، والنُّواح على مآسي المسلمين، وتعداد مصائبهم، والتوجع لما يحل بهم،هذه المآسي ليس مقامها يوم العيد والكل يعلم بأن علاج مآسينا لن يتم بالتحازن . وقد كان نبينا صلى الله عليه وآله وسلم يستعيذ بالله من الهم والحزَن ، يعجبه الفأل، دائم البشر، كثير التبسم . وعساكم من عواده.