فوضوية الفتوى بين عبث الحمقى وصمت الفقهاء! كلما تجرأ طالب علم على إصدار فتوى شاذة بائسة,تجرأ من بعده طويلب علم أخر على إصدار ما هو أشد وأنكأ منها,ليتلقفها العابثون من أهل الصحافة وأهل البدع والاهواء!! ولو لم يُمهدْ بعض المحسوبين على العِلم وأهله من الموقّعين عن رب العالمين, الطريق للحمقى والعابثين,لما وصل الآمر الى ماوصلنا إليه من تجنٍ وفوضى وبلبلةٍ وتشويش! وقد إنعكستْ فتوى (فك السحر بالسحر) الشهيرة,انعكاسا خطيرا,وتحولا جديدا لم يسبق له مثيل من قبل, في جُلّ المجتمع السعودي المتدين النقي! جثمتْ عليه في ذهول العلماء والفقهاء الراسخين من هذه الجرأة الخطيرة المتجاوزة للحدود في عصرٍ ُمليء بالفتن والمغريات...غير أنه ذهولٌ تكلل بالصمت المطبق الرهيب!! فكانت صدمة عنيفة, وضربة موجعة للعامة وأنصاف المتعلمين,والذين يوقنون تماما أن (من أتى عرافا أو كاهنا فسأله لاتقبل له صلاة أربعين يوما) ويوقنون (أن من أتى عرافا فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد) وهم الذين يسمعون من العلماء الربانيين ويقرأون الآحاديث النبوية الصحيحة, أن السحر من الكبائر وأنه من السبع الموبقات,وأن جزاء الساحر ضربة بالسيف حتى وإن تاب أمام الناس بعد أن يُقبضَ عليه ويفتضح أمره... فأمْرتوبته إلى الله!! وتتابعتْ الفتاوى الشاذة,وكأنها حبات مسبحةٍ انفرط عقدها,فجائت تباعا تباعا,تتقاذفها الصحافة اللبرالية التي تصطاد في الماء العكر,لتسوقها وتدعو لها,كما فعلتْ في فتوى إجازة العرضة بالطبول للرجال,وفتوى جواز الاختلاط بين الرجال والنساء,والطامة الآخيرة المجيزة للغناء بجميع أشكاله ومعازفه وألاته! وكم هو محزنٌ ومؤسفٌ,أن تكون هذه الانعكاسات السلبية,لهذه الفتاوى الفوضوية,قد أُثّرتْ تأثيرا بالغا على جماهير المسلمين خارج حدود هذا البلد الكريم,والذين يطمئنون كثيرا لفتاوى علماء هذه البلاد,سيما أن للشيخين الكبيرين والعلَمين البارزين عبدالعزيز بن باز ومحمد بن عثيمين رحمهما الله,مكانة مرموقة وحضورا دعويا مبهرا من خلال إرثهما العلمي الغزير,ولما للمملكة العربية السعودية من جهود متميزة في خدمة الاسلام والمسلمين,في شتى أنحاء العالم,ولإحتوائها على أشرف بقاع الارض وأطهرها من مقدسات,ولآنها قبلة المسلمين في أرجاء المعمورة قاطبة!!!! ولاجرم أن ا لفتوى بجواز الاختلاط بين الجنسين من قِبَل أحد منسوبي هيئة الآمر بالمعروف والنهي عن المنكر,وكذلك الفتوى بجواز الغناء مع المعازف من قِبَل أحد أئمة الحرم لشهر رمضان عام 1430ه,وأحد أشهر قراء كتاب الله العزيز,وغيرذلك من الفتاوى المتهالكة...ومع صمتِ هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والافتاء,قد أحدثتْ منعطفا خطيرا حادا في السلوك الاجتماعي العام,وأحدثت شرخا كبيرا في الثقة المعهودة بين العلماء والعامة,مما خلق ثمة هوة بين المؤيدين والمعارضين,وإن كان المؤيدون لهذه الفتاوى هم الآقل,فالشريحة العريضة من المجتمع السعودي تعلم علم اليقين أن الآختلاط بين الجنسين لايجوز البتة,إلا بالضوابط الشرعية المعروفة,والتي تُعدُّ من أبجديات معرفة الحلال والحرام,والتي يعلمها الصغير والكبير والهرِمُ والعجوز القعيدة التي قد بلغت من العمر عتيا! وبديهي أن هذه الفئة من الناس تعلم حكم الغناء,حتى أن من يستمع إليه منهم يعلم حكمه الشرعي..وكم سمعتُ منهم عبارات الشجب والانكار للفتوى التي أجازت الغناء,حتى قال لي أحدهم(إنني أستمع أحيانا للغناء وأنا كاره له,لكنني أعلم أنه حرام وليس لدي شك في تحريمه أبدا,وأسأل الله أن يمن علي بترك سماعه)! إن هذه الفتاوى الفوضوية المتناثرة هنا وهناك,لاتصدر إلا عن أربعة أصناف لاغير: (1)صنف مؤهل للفتوى,ولكنه أخطأ في فتواه...وهنا يجب أن يبين له من قبل لجنة الإفتاء,سيما في المسائل العامة المطلقة,التي تصلح للمسلمين جميعا! (2)صنف لديه من العلم الشرعي الكثير...بيد أنه غير مؤهل للفتيا في المسائل العامة وأحوال الامة وهمومها,لعدم وصوله إلى درجة الإلمام بالاحوال وأهلية الاستنباط من أصل الاحكام,وهذا قد يفتي في مسائل العبادات كالصلاة والحج والصوم مما ينقله عن الفقهاء المعتبرين! (3)صنف لديه من العلم الشرعي الكثير,غير أنه يفتقد إلى الامانة والورع والصلاح,ويهوى الشهرة والمال,وهذا والعياذ بالله على خطر عظيم فقد عرض نفسه على جهنم,حين وقّع عن رب العالمين,ليخدم رغباته! (4)صنف ليس لديه من العلم الشرعي شيئا يُذكر,فأما أن يكون كاتبا أو شاعرا,أو صحفيا,ويظن أنه من خلال ثقافته المحدودة سيكون مؤهلا للفتوى,أو لربما كان صاحب بدعة وهوى(وكثيرا ما نجد هؤلاء بين أقزام الصحافة الورقية)!!!! إذن فما أحوجنا اليوم وفي هذه المرحلة الحرجة من أحوال الآمة,إلى أن نكون صفا واحدا خلف ولاة أمرنا وخلف علمائنا الربانيين المعروفين بالعلم والتقى والصلاح,لنتصدى لكل ناعق ومارق ومتطرفٍ ومفرّق, وذلك بالحكمة والموعظة الحسنة,وما أحوجنا إلى الرجوع إلى فقهائنا الذين نثق بعلمهم في هيئة كبار العلماء وفي إدارة البحوث العلمية والافتاء لنسمع القول الفصل في كل فتوى شاذة فوضوية...فوالله وتالله.. أنني قد قرأت الكثير الكثير من فتاوى الاولين والاخرين,وفتاوى أهل الشرق وأهل الغرب وأهل الشمال والجنوب,وتعمقت في مكنوناتها وإرهاصاتها وفحواها وما هياتها,وفي شروحاتها وتعليقاتها....وما وجدت أقرب للنفس وأصدق للفؤاد,وأمَن للعقل من فتاوى علماء هذا البلد الكريم,والذين كثيرا مانجدهم قد تربوا وهم يتزاحمون بالركب عند بن باز وابن عثيمين والغديان وبن جبرين وعبدالعزيز أل الشيخ,ونجدهم في جامعة الامام محمد بن سعود وأم القرى وفي حلق الذكر في جنبات الحرمين الشريفين! وفي غيرها من جامعات المملكة العربية السعودية رعاها الله وحفظها بحفظه ورعايته! رافع علي الشهري [email protected]