ظهرت بوادر صراع ديني تلوح في الأفق في المملكة، خصوصاً بعد خطبة إمام الحرم المكي الشريف الشيخ عبد الرحمن السديس النارية، والتي طالب فيها "بالحجر" على من وصفهم "بالمتعالمين"، الذين خرجوا عن جماعة الأمة، وجمهورها. ورأى مراقبون أن حديث إمام الحرم المكي، ونقده القوي لما اعتبره فوضى الفتاوى، موجهاً تحديداً للشيخ عبد المحسن العبيكان، الذي أفتى مؤخراً بجواز إرضاع الكبير، والشيخ عادل الكلباني، الذي أفتى بجواز الغناء بالمعازف، حيث ذكر السديس في خطبته نصاً "من اقتحموا مقامات الفتيا وهم ليسوا منها مثل فتاوى ارضاع الكبير واباحة الغناء". وكانت فتاوى الشيخ العبيكان، والشيخ الكلباني، أثارت ردود فعل واسعة في الأوساط السعودية، وتفاعلت معها مواقع إلكترونية، وصحف عربية، ووسائل إعلام غربية. ولم يكن رد العبيكان بأقل قوة من خطبة السدس، حيث قال إن كلامه لا يعنيه، سواء كان مقصوداً بخطبة السديد أم لا، لكنه سخر من بعض "الجهال" الذين لا يعلمون معنى المصطلحات، في إشارة لمصطلح "الحجر" الذي جاء على لسان السديد. حيث قال العبيكان في حديث لقناة العربية: " الذين يعرفون معنى الحجر في الشريعة الإسلامية يعرفون أنه الحجر على السفيه في ماله والتصرف به مثل الصغير أو الكبير غير متصرف تصرفا صحيحا، ولكن كثر الجهل بين الناس في هذا الزمن وأصبح الناس لا يعرفون معنى المصطلحات الفقهية والشرعية فيتكلمون بكلام لايفهمونه ولا يعرفون معناه". وكان الشيخ عبدالرحمن السديس دعا في خطبة الجمعة إلى الحجر على مقتحمي مقامات الفتيا أو المتعالمين، معتبرا أن الحجر عليهم من الحزم لأن الحجر لاستصلاح الأديان أولى من الحجر لاستصلاح الأبدان. ووصف مقتحمي مقامات الفتيا بأنهم ليسوا منها (الفتوى) في قليل ولا كثير، غافلين عن آثار آرائهم في المجتمع، ومآلاتهم في الأمة في حال فتاوى حل السحر، وإرضاع الكبير، وإباحة الغناء، والاختلاط وسواها، متناسين أثر عبدالله بن مسعود رضي الله عنه ما أنت بمحدث قوم بحديث لم تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة". وحذر الشيخ السديس من غش الأمة في فكرها الصافي بأفكار ملوثة تثير الفتن والبلبلة وتنشر الفتاوى الشاذة والأقوال الغريبة خروجا عن جماعة الأمة وجمهورها والنيل من علماء الأمة الربانيين وأئمتها الراسخين في عالم يموج بفوضى الفتاوى وعبث التعالم. وأضاف العبيكان في حديث لنشرة "الرابعة": إنما يعنيني هو ولي الأمر، فولاة الأمر هم المعنيون بالمسؤول عن الفتوى ونحو ذلك من هذه الأمور، ولم يزل المسلمون منذ عهد الصحابة رضي الله عنهم يختلفون ويتحدم بعضهم بعضهم، وقد قام العلماء في كثير من العصور بتأليف الكتب التي ذكروا فيها خلاف العلماء وأقوالهم ويناقش بعضهم بعضا ولايعنف بعضهم بعضا في خلافه لرأيه وهذه الكتب والآراء والمناقشات موجودة في المكتبات وبين أيدي الجميع وتدرس في الجامعات ويمتحن بها الطلاب، ومن أخذ قولا من هذه الأقوال فرأى أنه هو الصواب في رأيه فلا يجوز لأحد أن يعنف عليه وأن يعتبره خارجا عن الطريق، بل الواجب أن تحترم آراء الفقهاء جميعا. ومضى قائلا: " ويجب أن تحترم آراء الفقهاء جميعا، ويجب على كل أحد أن يحترم آراء الآخرين، ولكن بلينا في هذا الزمن بالمتطرفين والغلاة الجهال الذين تسببوا في وجود هذا الإرهاب، وشوهت صور الإسلام والمسلمين والمسلمين بسبب هذا التشدد والتنطع والتكلف الذي هو في الحقيقة أضر بديننا وأضر بسمعة بلادنا المباركة وذلك أنهم يقصون آراء الآخرين ويرون أنهم فقط على الحق وكأنهم أخذوه من فيّ(فم) رسول الله صلى الله عليه وسلم دون غيره. مضيفاً: المفروض أن تحترم آراء الآخرين فالمذاهب الإسلامية المشهورة هي أربعة وهناك أقول ومذاهب لكن ليس لها من يتبعها مثل ليث بن سعد وعطاء بن أبي رباح وسفيان الثوري وغيرهم، وبعدهم جاء المحققون من أهل العلم وتنازعوا. وعرج العبيكان في حديثه لقناة العربية على قضية الهجوم حوله بعد فتواه الأخيرة حول الإرضاع، مؤكداً على أنه لا تزال هناك تصفية حسابات ضده، مشيراً أن الانتقام أصبح عند البعض ربما (سيرة العبادة)، وربما استغل العبادة لتصفية حساباته والانتقام من الآخرين عن طريق وسائل الإعلام، وعن طريق المنابر وعدم استغلال وسائل الإعلام للنيل من الآخرين. وختم بالقول: " المفترض أن يترفع هولاء عن هذه العداوات وهذه التفاهات والسخافات وأن يكون النقاش علميا بحتا، وأن يسمح لكل إنسان ان يبدي رأيه حتى لو لم يتابعه الآخرون فمثلا من أخذ بقول من أقوال الفقهاء أو الائمة أو العلماء أو له حظ من الاهتمام أن لا يمنع من ابداء رأيه، وكل من يأخذ بالرأي الذي يعتقده سواء كان مجتهدا او عاميا لأنه كما قال الأصوليون والعلماء أن العامي يقلد أوثق المفتين برأيه. وسواء قبل هذا الرأي أو لا يجب أن يحترم رأي المجتهد وأن لا يعنف في اجتهاده.