الشيخ عايض العصيمي .. معقباً على العُمري في مقال (فزعة) اطلعت وقرأت ما كتبه سعادة الأستاذ سلمان بن محمد العُمري تحت عنوان (فزعة)، حيث تحدث عن الدخلاء والمتطفلين على علم التعبير والتفسير للرؤى والمنامات، أو ما سماهم على حد تعبيره ب(الملاقيف). وحقيقة أن هذا المقال أثار في نفسي أشياء كثيرة، أردت وأصريت أن أبوح بها في خاطري، وهي خمس رسائل مختصرة أبعثها لأصحابها. الرسالة الأولى : (لصاحب المقال) : أخي العزيز الأستاذ سلمان بن محمد العُمري له شكري وتقديري وإعجابي بما كتب، إن الدخلاء في هذا العلم كثر وما وصلك عبر رسائل البريد الخاص بكم عن هذا الموضوع هائل لا مثيل له من القراء إنما هي ومضة بسيطة جداً تشير لتعلق الناس باختلاف وتنوع طبقاتهم بعالم الرؤى والأحلام، وما يكابده المعبرون من زحام الناس. كم هم الناس الذين يسألون ويستفسرون عن رؤاهم للمعبر وكأن سؤالهم حق مستطاب يجب الجواب عليه، وإلا فإن ذاك المعبر قد آثم وضيع أمانة هذا العلم. الرسالة الثانية : (للرائي والرائية) : أقول لهم جميعاً ما قاله إمام المعبرين في زمانه وفي كل زمن محمد بن سيرين رحمه الله: (إذا اتق الله العبد في اليقظة لا يضره ما رؤي في النوم) وكان الرجل إذا سأله عن رؤيا يقول رحمه الله: (اتق الله في اليقظة لا يضرك ما رأيت في المنام). أقول لهؤلاء السائلين جميعاً : إياكم والتعلق بالرؤى والمنامات تعلقاً زائداً عن حجمه فإنا أمرنا بالتوسط في كل شيء، وأقول لهم وللمجتمع عموماً كما قال غيري من الفضلاء رفقاً بالمعبرين. الرسالة الثالثة : للدخلاء والمتطفلين على هذا العلم : وما أكثرهم في زماننا وأقلهم في زمن مضى ! نعم إنه في القديم القريب كان المعبر والمفسر كالعملة النادرة لا تتكرر، أما الآن في كل مكان معبر وفي كل بيت وقناة وبرنامج وهاتف معبر ومفسر، ومن لطيف ما يذكر أنني جلست في مجلس اكتظ بالحضور حتى خرج الجلوس من عند الأبواب وتراشقوا الحديث عن الرؤى والأحلام ما بين مخالف ومعارض، وما بين مؤيد ومفتون، أو محايد ساكت. أذكر نفسي وهؤلاء بتقوى الله تعالى وبقوله في جل علاه: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} وأقول لهم جميعاً : اتقوا الله في أنفسكم وفيما تأتون، وكفاكم عبثاً بهذا العلم الشريف وبالناس. نعم.. إن لكل علم دخلاء عليه، وهم كثر في التعبير والتفسير للرؤى والمنامات، إن جل وأغلب أخطاء المعبرين حسبت من قبل هؤلاء المتطفلين، ومن تلك الممارسات الخاطئة الكثيرة منهم، والتي سبق أن ذكرتها في كثير من مقالاتي، البعض منهم علق الناس بالوهم والهم والحزن وأفسد البيوت والدور على أصحابها، فماذا عساي أن أقول إلا كما قال الإمام مالك - رحمه الله - عندما سئل أيعبر الرؤى كل أحد ؟ قال : أبالنبوة يلعب فإياكم والتلاعب في هذا العلم إذ هو علم شرعي حصين بضوابطه لا يجوز اقتحامه من غير علم ودراية. الرسالة الرابعة : للعلماء وطلبة العلم الفضلاء : رسالة إجلال وتقدير أبعثها لهم جميعاً ممزوجة بمحبتي لهم. وأقول لهم : لابد أن يخدم هذا العلم بحثاً وكتابة فهو من علوم الشريعة، فسلفنا وعلماؤنا لم يغفلوا هذا العلم في كتبهم ومصنفاتهم كما في السنن والصحاح والمستدركات والمعاجم والمسانيد والمصنفات وشروح هذا العلم يطول المقام بذكرها وتفاصيلها وقد سبق أن كتبت في ذلك مقالة إنه لما غاب العلماء في هذا الفن لا أقصد التعبير فقط بل حتى في الإرشاد والبيان الواضح الشافي في هديه عليه الصلاة والسلام وفي تعامله مع الرؤى والأحلام فسنته مليئة بكنوز تحتاج لمثلكم أن يخرجوها ويبينوها للناس. عفواً شيوخي: إنه لما استخدمت لغة أو فن الإقفال أو الإغلاق فتح المجال لغير الكفء، لماذا الكثير حينما يُسأل من قبل شخص عن رؤيا رآها وشاهدها في منامه، قد أنغصت عيشه وحياته، ويريد جواباً شافياً له، فيسأل ولا يجد إلا من يقول له : (لا تتعلق بالرؤى والأحلام وتعتمد عليها، من توكل على الله كفاه، لا يضرك شيء ولا يحتاج لك أن تسأل عن ما رأيت، وليس بالضروري أن تسأل) حينها لا يجد جواباً ولا تشبع نهمته ولا بغيته، فيسأل كل من هب ودب ويسقط في شراك الدخلاء. إن رسولنا الكريم كما في الصحيحين كان يسأل أصحابه رضي الله عنهم بعد صلاة الصبح إذا أقبل بوجهه عليهم من رأى منكم رؤيا فليقصها علي أعبرها له ؟! إذاً كان هذا صلى الله عليه وسلم يهتم برؤاه وبرؤى أصحابه ويفرح ويستأنس بها ويستبشر بل كان بعض أصحابه رضي الله عنهم كعائشة وابن عمر رضي الله عنهما يتمنيان أن يريا رؤيا فيها خير لهما ولحالهما وفقاً لذلك. الرسالة الخامسة والأخيرة: لوزارة الشؤون الإسلامية وعلى رأسها معالي الوزير الشيخ صالح آل الشيخ له حبي وتقديري على بادرته الطيبة التي قام بها بجمع المعبرين للرؤى في السنة الماضية، كان اجتماعاً طيباً، بحثت فيه محاور ونوقشت فيه قضايا، تمخض عن قرارات، لكن سؤالي معالي الوزير: ماذا بعد هذا اللقاء ؟! وماذا قدمت الوزارة في هذا ؟ الجميع متعطش لنتاج هذا الاجتماع ؟! لقد رفعت لمعاليكم اقتراحات طيبة كتبتها للوزارة منها على سبيل المثال أن تتبنى الوزارة طباعة بعض الكتب المختصرة والمطولة والمطويات الخاصة تحت رعاية الشؤون الإسلامية في هذا العلم الشرعي، فإني أعلم أن لكم نتاجاً طيباً في العلم ومحبيه. وأقترح كذلك اقتراحاً آخر حبذا لو انبرأ أحد طلبة العلم الأخيار المميزين في التعبير في شرح متن علمي يتعلق بالرؤى والمنامات ينفع الناس والعوام، يطرح في الإجازة الصيفية في الدورات العلمية المكثفة والتي تطرح في ربوع هذا الوطن الشامخ، حتى يحضر الأخيار وطلبة العلم المتعطشة لهذا الباب والمستفيدين والعوام فسيكون ذا فائدة وهدف كبير منشود، وتبث تلك الدورة في القنوات والتلفاز لعموم الفائدة والنفع، وقد اقترحت على سبيل المثال شرح كشرح كتاب التعبير في شرح صحيح البخاري للإمام ابن حجر رحمه الله تعالى فهو مرجع هام لكل معبر لتأصيل هذا العلم وفنه. الشيخ عايض العصيمي