أوقد لنا مدفأةً في الحر أوقفت تلك السيارة المتهالكة التي كنت أقودها أمام باب منزل عتيق .. تأملت في المنزل الذي لم أره منذ زمن، فإذا أبوابه تشكوا تقادم الدهر لجدرانه، وإذا الجدران تطرق مشيحة عادمة للحيلة... نزلت ومن معي من الأقارب من السيارة .. طرقنا الباب .. فُتِحَ لنا .. أطل شيخ بوجهٍ لاحتهُ الشمسُ سمرةً، و لحيةٍ كثةٍ غليظةٍ، وبدن ممتلئ يحكي فتوةً قديمةً ولّت غير عائدة؛ و ابتسم، فبدت أسنان متكسرة تحكي ألما و تخبر عن ضيق ذات يد...رحب و هلا..فضلنا إلى المجلس... بادر الشيخ بإحضار الشاي و القهوة..هب أحد الحضور مقسما على الشيخ بأن يصب، و لولا القسم لما قعد الشيخ... تحدثت إليه و السعادة تخفق بخافقي لرؤيته، والشوق يحفزني حفزا الى سماع لكنته الثقيلة المتقطعة التي مازالت تدندن في أذنيّ منذ أيام الطفولة... بيد أن سعادتي كدرها وعكرها و ثلّمها ما رأيت من تردي حاله: فبراثن الزمن قد أعملت في قسمات وجهه أغوارا؛ و عقوق الأبناء قد ألصق حاجبيه، و فصّد الجبين أقطابا؛ و لواعج الفقر- ألا قاتل الله الفقر- قد أكلّت المتن و أثقلته أهوالا... لم يكن في بيت الشيخ ما يقدمه عشاء لضيوفه - وهو المعروف بكرمه المشهور بحاتميته - فعكّر جذله بلقائنا ضيق ذاتِ يده عن إكرامنا؛ فيالله، هل سبق و أن رأيت فما باسماً بلقياك، يعلوه جبينٌ قاطبٌ أسفاً ألا يجد لك قرىً ؟! جرى بنا الحديث و استطال و استعرض، و الأنس حليفنا بلقيا الشيخ، و حليفه بلقيانا. بيد أن لا حيلة للكريم في كرمه، فكيف يصنع و روحه تكاد تفيض من بين جنبيه ألا يبذل لضيوفه غير القهوة و الشاي؛ فماذا عساه صنع؟ قام الشيخ .. أحضر مدفأة إلى المجلس .. أوقد المدفأة – كان الجو دافئا، لا يسمح بإيقاد مدفأة - فقام الشيخ الضائق الذرع بضيوفه و فتح النوافذ في محاولة لتعديل الجو!!! بت تلك الليلة حيرانا هاجر النوم مضجعه، هاله كرمٌ و كمال خلق خاله اندثر بين بني البشر...شيخ كريم لم يجد ما يقري به ضيفه سوى إيقاد مدفأة في الحر! سعد العواد