خلصت بعد تأمل إلى أن فنجان القهوة العربية الذائع الصيت من أكثر الفناجين المشابهة والأخرى المطورة حظاً بين الرجال والنساء وحظوة لدى النساء ، وشاهد ثقة على حكاياتهن التي لاتنتهي بتلك الأكاذيب ، فمن اجترارهن لمعاناتهن منذ التأتأة في المهد إلى أن يُلحدن في القبور ، ومن أول يوم تتعلم فيه إحداهن كيف تلوُّن شفايفها إلى أن تنسى أن تلك الحمرة المصطنعة على خديها لاتختلف كثيراً عن أثر لكف من يد أب أو زوج أو أخ اعتاد أن يمارس طقوس ولاية آدم العربي على حواء العربية بتلك الطريقة. ستأتي حقبة يكون فيها فنجان القهوة العربية أحد الأدلة الدامغة على مدى تفوق الإنسان العربي على نفسه ، إذ تحاكي الطبقات بعضها بعضاً من خلال رشف فناجين القهوة العربية بطريقة متشابهة إلى حدٍ ما ، إلا أنها تختلف في مقدار كمية القهوة التي يجب أن تصب في الفنجان ، فالطبقة المخملية لاتزيد الكمية عن ربع الفنجان بحيث يتمكن شاربه من مرجحة الفنجان بطريقة لاتكشف أنه يريد تبريد القهوة فيرشفه دون أن يصدر أي صوت وقد يكتفي بفنجان واحد ، وكذلك تفعل الطبقة الوسطى عدا أن الاختلافات تتضح في الإضافات على البن كالهيل والزعفران ودرجة لون البن المحمص إلا أنهم لايكتفون بفنجان واحد من القهوة العربية ، أما الطبقة الكادحة فلا يكترثون لكمية القهوة المسكوبة في الفنجان ولا لنكهة القهوة أو لونها فجل حرصهم أن تكون فناجين القهوة كتلك التي يراها أحدهم في التلفاز أثناء مسلسل الأخبار المحلية والعالمية ، أو بعد مناسبة زواج لتكون أحد أهم مطالب أم العيال من آدم الذي اكتفى بشرف المحاولة عندما يظهر بأنه يعرف كيف يبيّن لصباب القهوة بأنه قد اكتفى . بل قد تجده يحلم كيف كان يضع أصابعه على فم الفنجان مكتفياً بمرجحة خفيفة للفنجان معتقداً أن صباب القهوة الآسيوي مثل صباب القهوة في التلفزيون . عندما كنت أتابع المسلسلات البدوية قبل حقبة القنوات الفضائية والانفتاح على الثقافات والحضارات الأخرى ، كانت تشدني طريقة الرجل البدوي في إعداد القهوة والتلذذ بطريقة صبها وتقديمها لضيوف شيخ القبيلة ، بل كدت أشك في أنه يُسمح لنساء البادية بالتعامل مع القهوة العربية وفناجينها إذ لانرى في أي مسلسل بدوي إحدى نساء البادية تقوم بإعداد القهوة لفارس القبيلة أو لغريمه على أجمل نسائها ، وخشيت أن تصيب العدوى نساء القرى فيطالبن بالمعاملة بالمثل . حتى في مجال الشعر كان لفنجان القهوة العربية مكانته اللائقة به كرمز تاريخي على الكرم العربي ، فمن الأشعار النبطية الذائعة الصيت إلى قصيدة قارئة الفنجان وصب القهوة للنشامى على ظهور الخيل ، ناهيك عن تلك العادات التي جعلت من فنجان القهوة العربية علامة على القبول أو الرفض في حالات الزواج أو عقد اتفاقيات الصلح بين المتخاصمين ، وإن بدت مثل تلك العادات تتلاشى في ظل سطوة ثقافة المشروبات الساخنة والتفنن في أساليب تقديمها لمرتادي المقاهي الخاصة بها . وعلى الرغم من المزاعم التي يروج لها بعض الأطباء من خطر الإكثار من شرب القهوة إلا أن الواقع يكذب تلك الإدعاءات ويدعم تسويق القهوة بين الأجيال إذ نجد أن الأطفال يحبون شرب القهوة وفي البدء تقليداً لآبائهم وأمهاتهم إلى أن تصبح عادة في المكتب وعند حالات الحديث ذو شجون من الدين إلى السياسية إلى آخر مغامرات الحالمين بالشهرة والثراء ولكن بعيداً عن سؤال من أين لك هذا ؟! فكم من دموع سكبت وفناجين القهوة تدور بين الأيادي في صالات الأفراح أو الأتراح ، وكم من ضحكات مفتعلة وفناجين القهوة تتحاشى المثول أمام تلك الشفاه الساخرة ، وكم من فناجين قهوة تكسرت حوافها لتكون بمثابة الشاهد الأخير على تلك النزوات الغادرة . لا أعلم متى ، ولكن يبدو أن حقبة فنجان القهوة العربية الصغير الحجم لن تطول ، وستصبح أثراً بعد عين أسوة بالرماية والسباحة وركوب الخيل ، وقد يحدث تفاعل كيميائي أو فيزيائي لفنجان القهوة العربية كبير المكانة ويصبح في حجم قدر كبير أو صحن كبير ليكون الشرب منه جماعي بواسطة ماصات بلاستيكية بعد أن تشابهت الأماني .