الاستخفاف بالعقول ! شاهدت قبل أيام برنامجاً استضيف فيه أحد الممثلين ، فكان مما قاله عن شهر رمضان أنه \"شهر جميل و فيه بركة و أن الله قد وفقه و بارك له كل الأفلام التي عملها فيه \" مع أن صاحبنا من أشهر ممثلي أفلام الحب و الغرام و ما يتبعها ! هذا الأسلوب في التفكير لا يختص بهذا الممثل وحده بل هو ظاهرة مشاهدة ، فإحدى الراقصات مثلا تقول أنها تدعو الله قبل صعودها المسرح أن يوفقها في الرقص ! و إحدى المذيعات تعطينا دروساً في كيفية تكوين علاقة سامية مع الله على طريقتها ثم تقول \"أنا لا أؤمن بأن قطعة قماش توضع على الرأس يمكن أن تدخلني الجنة \"! و ممثل آخر يفتى بجواز تبرج المرأة و يستدل على ذلك بأن من يرى المرأة المتبرجة يقول : الله !! استهبال يحاكي منطق ذلك اللص الذي سأله رفاقه عن سر كثرة المال في يده فقال : كنت أسرق في اليوم منزلا واحداً ، فبارك الله لي فصرت أسرق ثلاثة . هذه الصور المضحكة و المستفزة تطالعنا بها وسائل الإعلام كل يوم دون مراعاة لحجم التغابي الذي تحمله و كأنما تخاطب أطفال . و لم يعد غريباً أن تنشر مجلة في صفحتها الدينية فتوى العلماء بتحريم التبرج ثم تملأ بقية الصفحات بصور النساء المتبرجات ! و لا تتعجب حين ترى من يكتب على طريقة : \" حاربوا التطرف بالفن \" و \"من كان يحب ما يكل فإن مايكل قد مات \"، فالأمور قد اختلطت ، و أصبح المجنون عاقلا و العاقل مجنوناً ، و صارت الوقاية ( عند هؤلاء ) هي سبب المرض بدلا من أن تكون مانعاً منه ! كانوا يلعبون سابقاً بورقة الخلاف بين العلماء ، أما اليوم فصاروا يفتون بأنفسهم ، فالرقاصة تفتي ، و الممثل يفتي ، و المغني يفتي .. و كل يخوض على طريقته . و بعض الكتاب يستهبل معهم ، و ينظِّرُ لهم ! و إذا انتقدهم أحد رُمي بتلك التهم الجاهزة متشدد ، متزمت ، ظلامي إلى آخر قاموس الشتائم المغلفة التي يتقنونها. الأمثلة كثيرة و من يستعرضها يشعر أنه قد دخل مستشفى للأمراض العقلية حيث يصبح الأسود أبيضاً ، و الأبيض أسود ! الفرق الوحيد أن الطبيب في المستشفى هو من يعالج المرضى ، أما هنا فالمرضى هم من يكشف ، و يشخص ، و يصف الدواء ، و ما علينا إلا أن نقف في الصف بهدوء حتى نأخذ نصيبنا في العلاج ! عبد اللطيف بن بريك الثبيتي[email protected]