في سياق حياتنا اليومية نصادف الكثير من الأفراد ذكوراً وإناثاً والذين يجهلون أولوياتهم في هذه الحياة , فمنهم من تجده يمشي في الطرقات بلا هدف بلا حلم وبلا طموح ، ولا يعلم أين يسير وإلى أين يريد أن يصل؟ ، ويكتفي بأن هناك من يوجهه إن أخطأ ويعذره إن فشل ، وكأن السير في حد ذاته هو الهدف بغض النظر عن الإرادة داخله والمستقبل الذي ينتظره. إن أسوأ ميادين الحياة تلك التي نعيشها ونحن نجهل كيف نخطط ونرتب اهتماماتنا وأولوياتنا , فنفقد القدرة على إنجاز الأعمال مهما كانت بسيطة وسهلة , ويمر بنا الوقت ونحن نقف مكاننا نتيجة لسوء تصرفاتنا وقلة خبرتنا وجهلنا في تصريف الأمور على الوجه الذي ينبغي. ليس المهم أن تصل إلى مستوى راقٍ من العلم والثقافة ، أو أن تعتلي مكانة مرموقة وذات منصب في العمل أو في المجتمع ، فما فائدة كل ذلك إن مازلت تجهل كيف ترتقي بنفسك وتسمو بذاتك وأخلاقك ، أو كيف ترتقي بسياسة تعاملك مع ذاتك والآخرين من حولك. وليس من المهم أن تكون رئيساً على عشرات أو مئات من الموظفين أو العاملين حتى تصبح ذا قدر وقيمة ، ولكن المهم هو أن تبذل جهدك في مكانك أياً كان ، وأن تجتهد لتتعلم من أدق تفاصيل حياتك ، فرقي فكرك وسلاسة تعاملك وأصالة أخلاقك كفيلة بأن تجعلك سيداً لنفسك قبل أن تسود الآخرين . وعندما تمر بنا الأيام تتمايز من خلالها نظرتنا للأشياء والمواقف والأشخاص , ومن لا يعرف كيف يخطط لذاته ويميز بين أولوياته واهتماماته فهو بكل تأكيد جاهلاً للتخطيط في أي ميدان آخر سواء كان له أو لغيره من المحيطين به . فالقدرة على التخطيط هي منحة ربانية إلهية تعين صاحبها على تحديد قيم الأشياء وترتيبها وفقاً لأهميتها الزمنية والمكانية والجوهرية , بالتالي فهي تضمن له السير وفق خارطة طريق محكمة ومدروسة ليصل في نهايتها إلى مراده بأقل جهد وتكلفة ممكنة ، إضافة إلى المزيد من النجاح والتألق والقليل من الفشل والخسائر. الأمر ليس بالغ الصعوبة حتى نجهل كيف نتعلمه أو نتقنه ، ولكنه يحتاج إلى شيء من الحكمة والتروي والقدرة على محاكاة الأدوار المختلفة التي يلعبها الفرد بصورة مستمرة في حياته اليومية. وقد يمتلك الفرد منا مهارات عديدة وإمكانات مديدة ، وقد يكون ذا رغبة مشتعلة وهمة متقدة ، ولكن سرعان ما تقف في وجهه العقبات ، وحينها لا يصبح للمهارة معنًى ، ولا للرغبة مكان ، إذا لم يتحل هذا الإنسان بالمرونة الكافية ، والتي تجعل له القدرة على اجتياز العقبات والوقوف فوق الحواجز بكل قوة وضراوة ، ثم يحيل بها إلى قاموس الذكريات التي جسدتها قصص النجاح ذات يوم. ويقول ستيفن كوفي: (إن التخطيط اليومي يعطينا رؤية محدودة ليوم واحد ، أو لقطة مكبرة مقربة تجعلنا مشغولين بما هو قريب جداً من أعيننا ، لدرجة أن ما يطرأ علينا يشغلنا عن الأهمية الأساسية ، أما التخطيط الأسبوعي ، فيقدم لنا المنظور الأوسع والشامل لما نقوم به ، فهو يعطينا صورة أوسع تمكننا من أن نرى الجبال بحجمها الحقيقي) . وختاماً تذكر دائماً أن عملية التخطيط يجب أن تكون طَوْع بنانك ، وليست آمرة لك ، ولما كانت خطتك مؤتمرة بأمرك ، وجب عليك أن تكون مفصلة وفق أسلوبك ، وحسب احتياجاتك ، وطبقاً لطرقك الخاصة ، ولذلك احرص دائماً على أن تُشَكِّل خطتك على أساس أهدافك ، وليس العكس. أستاذ الصحة النفسية المحاضر - كلية الآداب والعلوم الإدارية – جامعة أم القرى