إن الإحساس بالخوف هو إحساس طبيعي , وضعه الله عز وجل ضمن منظومة الانفعالات والمشاعر التي تختلج في قلب الإنسان, والتي لها دوافع عديدة تلازمها منذ ظهورها. ولعل دافع الخوف يكمن في الحفاظ على الذات البشرية, وحفظ النوع, بالإضافة إلى الحفاظ على الحياة والتعلق بها. وتعددت مواطن الخوف وتعددت أسبابه, وهنالك نوع آخر من الخوف يشكل اضطراباً في الشخصية , وهذا النوع أطلق عليه علماء النفس مسمى ( الخواف أو الفوبيا ) وهو خوف يلازمه هلع ورهبة شديدة ومشاعر رهابية ولكنها خارجة عن حدود الطبيعة البشرية المعقولة. والغريب في ذلك أن الشخص المصاب بهذا الاضطراب يخاف من أشياء لا تستدعي الخوف والقلق في أساسها وجوهرها. وأمثلة هذا الاضطراب كثيرة مثل فوبيا الأماكن المرتفعة, فوبيا الأماكن المزدحمة, فوبيا الأماكن الواسعة , فوبيا الحيوانات, الفوبيا الاجتماعية وغيرها. أما اليوم فنجد أنفسنا أمام نوع جديد من الفوبيا والذي أصبح يلازم الكثير من الأشخاص الصغار والكبار وخاصة بعد أضرار السيول والأمطار التي اجتاحت بعض مناطق المملكة ثم خلفت وراءها الكثير من الأضرار البشرية والاقتصادية وغيرها. فوبيا المطر أصبح هاجساً يجتاح العقول والقلوب ويخيم على أجواء البيوت وخاصة المدن الساحلية مثل مدينة جدة وغيرها, وأصبحنا نخشى أن يطرق المطر باب سمائنا ويغرق بيوتنا ويحول بينا وبين أعمالنا ومكاتبنا ومدارسنا وجامعتنا. أصحبنا نخشى المطر الذي يجتاح المدينة فيخرب الطرقات ويعيق التنقل ويغرق السيارات ويعطل الكهرباء ويوقف الاتصالات ويحول دون العيش في حياة طبيعية آمنه ومستقرة. أصبح صغارنا قبل كبارنا يراقب النشرة الجوية, بل ويتابع في انتباه شديد التوقعات في الأيام المستقبلية, أما اللعب تحت المطر فقد أصبح موروثاً ثقافياً قديماً لا يتشوق إليه أحد ولا يتطلع إليه عاقل !. ربما هلعنا يأتي لأننا اعتدنا العيش في أجواء صحراوية لا يزورها المطر إلا نادرا, وفي موسم الأمطار نتذكرها أما خلاف ذلك من المواسم نكتفي بالاستمتاع في الأجواء الحارة وكأنها طبيعة خٌلقنا عليها وجُبلت عليها أجسادنا. لست هنا لأناقش ما هي الأسباب التي جعلت من الأمطار ذعرا وهلعا, فقد انهك الكثير أنفسهم في تحليل ذلك, إلى جانب أن الكثير أصبح يحترف فن إلقاء المسئولية على الغير , كما أمسوا يتقنون فن الصراخ والعويل بدلاً من التمحيص والتفكير والتحليل للخروج من هذه المشكلة أو على الأقل الحد من أضرارها. دعونا ننصرف عن تحميل البنى التحتية مالا تطيق , ودعونا من توجيه الاتهامات عبثا نحو القريب والبعيد , فنحن اليوم أمام مشكلة تستوجب استشعار المسؤولية تجاهها, ولنبدأ في تدبر الأمور وإن اقتصرنا على بيوتنا ثم بيوت الحي المجاور لنا. فالتفكير في حل المشكلة أول الطرق للحد من أضرارها, وليس عيبا بأن نقترح وليس عيبا بأن نفشل , ولكن العيب هو أن نقف مكتوفي الأيدي ولا ننال حتى شرف المحاولة. أخيرا أسأل الله عز وجل أن يجعل مطرنا هذا سقيا رحمة وأن ينبت به الشجر ويطرح به الثمر ويجعل لنا فيه رزقا حلالا طيبا. وقفة لنرتقي : قال الله عز وجل في محكم كتابه العزيز : (الله الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُون)َ ( الروم:48 ).