تعودت على أن يمرّغها بالوحل وبأشياء أخرى قذرة فهو يكاد يحملها معه أينما يذهب لتظل عنوان وجهه إن لم يكن جسده .. تراها كمحقن تلك العجوز الشمطاء في ذلك الحي الذي ترعرع فيه ومضى أجمل الأوقات .. كانت قصة تلك العجوز البدينة معروفة لدى جميع نساء الحي فهي تأخذ ما تتلقفه تلك الأذن المجهرية لتتسوق به وتعطي بجانب ما أخذت هدايا مجانية من نسل خيالها لمن تبيع عليه لتكسب الجولة غير آبهة – رحمها الله – بما تجني يداها من زرع لبذور الكراهية وحصد ثائر لآهات الضغينة بشعارها الحاقد المخزي .. هكذا كانت فالحب في عينيها التي بالكاد تراها مفقود من قبل أن يرى نور الحياة وجهها القديم .. فنمت بقلبها المسلول على نار الفتنة .. حينما تمددت الأيام داخلها كانت تأخذ قسطاً من الراحة في فناء دارها .. تحبو تلك الحدأة إلى جوارها لتلتقط الحب وبقايا بذور ماقبضته يداها .. تلتقطه وهي لاتعلم شيئاً عن تلك الجثة غير الهامدة التي تطعمها صباح مساء .. عبرت قصة العجوز خياله فهو متعظ بها لكنه يحن لمن يحمل ذلك المحقن كلما يضعه قرب تلك الشفاه المستعيرة التي تحمل بين محدداتها أسوأ مفردات آفاتها فقد كانت دوماً أبجدية حروفها علقمية المذاق وسيئة المزاج كان يحن عليه لأنه يحمل ثوابتاً بين ثنايا قلبه لاتتلاشى بفعل عوامل الزمن .. كتلة من الجلد والحكمة والهدوء فقد كان كل شيء فيه رائعاً إلا ذلك المحقن الخارج بعبث من طرفي وجهه .. جاءه ذات يوم غائم وقد كانت مزاجيته عاصفة شبه رجل وأخبره بمالايمت إلى الحقيقة بأي عنوان أو صفة أو ضمير حتى ولو كان مستتراً وفتح محقنه على أنه كل الحقيقة وأطبق عليه وفي ليلة هادئة فرحه وبين أحضان ذلك الشاطئ المنتشي بقوارب صيده الملونة عرف الحقيقة وتقبلها ولم تجرحه فلم يكن مريضاً وتذكر حينها ملامح ذلك الفاسق الذي نهض لتوّه من زاويته ليرتمي صوب ركنٍ آخر وترتمي معه أهدابه العطشى في بحر عينيه المالح !! . ومضة :- من شعر محمود درويش : يرنو إلى أعلى فيبصر نجمةً ترنو إليه ! يرنو إلى الوادي فيبصر قبرهُ يرنو إليه يرنو إلى امرأةٍ تعذبه وتعجبه ولا ترنو إليه يرنو إلى مرآته فيرى غريباً مثله يرنو إليه!