شهر رمضان هو من أكثر الشهور التي تجلب الراحة والطمأنينة للنفس.. وهو شهر يسكب في الأعماق روحانية عاطرة فيغمر القلب بالحب والمودة.. فيطفح نشوة عارمة. وهذا الشهر ايضاً يعطيك انطباعات جميلة لذكريات اجمل.. فهو من اكثر الشهور التي تثير في الخيال الذكريات فتتناثر حبات الألفة على جبين الدنيا فتتراقص الأفئدة فرحة مسرورة وعندما نطلق للخيال عنانه يسافر بنا لتلك الأيام الخوالي.. لمراسيم هذا الشهر الكريم قبل ثلاثين عاماً ومدينة جدة في تلك الأيام كانت تحتل مساحة صغيرة وكانت العمارات ليست بهذه الكثرة والشوارع ليست بمثل هذه الشوارع كانت صغيرة تحيطها المودة من كل جانب.. حيث التآلف الذي كان يجمع بين الناس والمودة التي كانت تسود المجتمع. ان الاجيال التي أتت بعد هذا التطور الكبير الذي طرأ على هذه المدينة لم تعرف من هو المسحراتي وكيف كان الناس يصومون كيف كان الناس يتكبدون في مثل هذا الشهر ولكنهم كانوا يشعرون بحلاوة هذه المكابدة ولذتها. كان المسحراتي يطوف في الاحياء والحواري منبهاً الصائمين بقدوم وقت (السحور حيث كان يقرع في اناء من النحاس فيستيقظ الصائم من نومه .. وكثيراً ما كان يحفه الاطفال فتراه يحوم على كل الاحياء وسط زفة الاطفال.. كما ان البعض كانوا يهللون له في الطرقات اثناء تجواله). كانت ليالي جدة في تلك الايام بالرغم من اضاءتها الخافتة والقليلة تبدو زاهية يحفها الجمال من كل صوب.. وكذلك الالفة انها ايام جميلة تعشش ذكرياتها في الخيال فتنهمر الدموع من المآقي.. فيا لها من ايام وليال كانت فيها الحياة جميلة غير معقدة.. تتلاقى فيها القلوب بدون رتوش وبكل حب. انني كلما حان وقت الافطار احن لتلك الأيام وأتأمل لمنظر البلد في ذلك الزمان وتتراءى أمام عيوني كل تلك المناظر.. تجمعات الاطفال والكبار أمام البائعين وهرولة الصغار لمحلات بيع (الثلج) وصوت المدافع وغيرها من المواقع.. ان التطور سمة من سمات الدنيا.. فلابد أن يتغير كل شيء.. ولابد لتلك العادات ان تختفي.. وتختفي ايضاً تلك المعالم القديمة.. الا ان الذكريات وبالرغم من مرور السنين فانها ستظل تعشش في الخيال تدغدغ في الضلوع.. انها الذكريات منها نستمد صبرنا وقوتنا في هذه الحياة ومن خلالها نطفىء ظمأ الأشواق.. وعتمة دهاليز الحياة.. انها اكسجين الحياة فلولاها يصعب على الإنسان مجرد التنفس.. ان هذا الشهر الكريم يحمل في طياته الكثير من المعاني السامية فهو شهر العبادة وشهر التأمل وشهر تجتمع فيه كل القيم النبيلة.. وبجانب ذلك فإنه شهر يثير في النفس أجمل الذكريات.. فياليت كل شهورنا (رمضان) أعاده الله علينا وعلى جميع الأمة الاسلامية باليمن والبركات .