كثيراً ما أقف متعجباً لحال البعض من القياديين الذين يرون أن في محاورتهم أو مناقشتهم أو حتى الحديث معهم عن انخفاض مستوى أو وجود تقصير في خدمات الجهاز يعد خروجاً عن المألوف ما كان ينبغي التفكير فيه وليس الحديث عنه . ومثل هؤلاء النفر لازالت عقولهم مليئة بجملة (كله تمام يافندم) وهو ما يؤكد عدم رغبتهم في تطوير مستوى خدمات إداراتهم ويرون أن الحديث معهم يجب ألا يحمل من كلمات النقد شيئاً ويجب أن يكون مليئاً بكلمات الإشادة والتنويه التي لا يمكن لعقل تصديق جزء منها ولا لعين رؤيتها. ومثل هذا الأسلوب وان كان قد انتهى عصره ومضى زمنه فينبغي أن يكون هناك حوار ونقاش موضوعي للوصول إلى الأفضل استناداً لقول الحق تبارك وتعالى (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ...) . وينبغي أن يكون الحوار والنقاش مبنياً على كلمة طيبة نابعة من قلب صادق لتغرس في النفس بذرة الهداية فتعود على صاحبها بالأجر والمثوبة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه ، لا ينقص من أجورهم شيئاً) . وقد وصف الإسلام الطبيعة الإنسانية بأنها ميالة إلى الحوار قال تعالى (وكان الإنسان أكثر شيء جدلا) . ومن واجبات الحوار أن نمنح المتحدث الحق في القول ونحسن الاستماع إليه ونتراجع عن الخطأ ونعترف به فقديماً قالوا الرجوع إلى الحق فضيلة. ومن آداب الحوار عدم رفع الصوت وقذف التهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ليس المؤمن باللعان ولا بالطعان ولا الفاحش ولا البذيء ) . فلماذا نظل بعيدين عن أساليب الحوار الموضوعي؟. ولماذا نجير التهم ونختلق الأعذار لكل من يسعى لمناقشتنا في خدماتنا ؟. إنني أتعجب كثيراً حينما أقرا تصريحاً لمسؤول كبير في الدولة يشير إلى أن هناك سلبيات داخل إدارته في حين نسمع المسؤول الصغير وهو يتحدث عن انجازات لا وجود لها! . إن ما نحتاجه اليوم هو اعتراف القياديين الصغار بالاخطاء التي تعيشها إداراتهم لا أن نحجب الصور السلبية ونضع صوراً ايجابية لا تتوافق والواقع المعاش . وعلينا أن ندرك ما قاله خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - يحفظه الله - (إن آداب الحوار يجب أن تنطلق من منهج السلف الصالح الذي يعتنقه شعب المملكة.. وقد كان السلف الصالح عليهم رضوان الله لا يجادلون إلا بالحكمة والموعظة الحسنة ويعملون بتوجيه سيدنا ونبينا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) كما كانوا يعتبرون سب المسلم فسوقاً وقتاله كفراً. هذا هو الطريق السليم للحوار . فهل أدرك صغار المسؤولين ما ينبغي عليهم القيام به ؟. أم لازالوا يعتبرون الحوار والنقاش خروجاً عن المألوف؟.