السواد الأعظم من الناس – إلا من رحم ربي – في عجلة من أمره ، سريع في كل شيء بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى ، محا من تفكيره (الفرملة) التوقف ، التحري ، الدقة ، التأني .. فنحن جميعاً في عصر السرعة كمال يقال .. لا بد من الركض والركض ولكن ألا نخاف أن نتعثر لأننا إن ركضنا بسرعة غير مدركين مخاطر ركضنا فبلا شك سنتعثر في أبسط وأخف الأشياء التي تقع في طريقنا إذا لم نتوقف ونتمعن في طريق ركضنا ، كما وأن التباطؤ والتكاسل في الركض قد يفقدنا الكثير والكثير لأننا نعد من المتأخرين ولا نستطيع أن نلحق بالركب ونسجل لأنفسنا علامات متقدمة مع من يركضون.. فهل سألنا أنفسنا يوماً أيهما ذو فائدة لنا ويجعلنا في صحة جيدة؟ ما نأكله أم ما نهضمه؟! أعتقد أنكم توافقونني الرأي أن مانهضمه هو الذي يجعلنا نبدو ونشعر أننا في صحة جيدة وليس ما نأكله.. لأننا لو أكلنا دون أن نقف ونتمعن في نوعية الأكل ونتقن تماماً هضمه ،سنصاب بتخمة في (العقول) قبل تخمة (البطون) حيث ستبدو علينا ملامح (السُمْنة) وتبرز (كروشنا) للأمام وفي المقابل (تضمر) عقولنا فلا يعد بمقدورنا التحكم فيها أو تسخيرها لما خلقت له وأعطانا إياها البديع الرحمن وبالتالي لا نستطيع أن نستمتع بنعمة وقدرة التوقف لنلتقط أنفاسنا ثم نعاود الركض من جديد بعد أن نكون قد تفحصنا وتمعنا فيما نأكل أو فيما يجب أن نأكل وبالتالي ينعكس هذا المنطق على تصرفاتنا وقياسنا وتقديرنا للأمور حتى نتحكم ونحقق هدفنا بدقة تجعلنا نفتخر بسلوكنا الصحي السليم للوصول إليه. كثير منا للأسف لا يهتم بمقولة(ليس ما نأكله إنما ما نهضمه هو ما يجعلنا بصحة جيدة جسدياً وعقلياً) ولو طبقنا قاعدة هذا القول على ما نربحه من صفقاتنا التجارية ومخططاتنا المالية ومشاريعنا لعلمنا أن كل ذلك لن يجعلنا أغنياء بل الشيء الذي يجعلنا كذلك هو ما ندِّخره ونوفره ولن يأتِ اليوم بإذن الله الذي يجعلنا نسأل الآخرين ونستعطفهم ونمد أيدينا لهم. لنفكر بجد في مثل هذه الجُمل ونتمعن فيها ونغرسها في عقولنا وعقول الجيل القادم من الشباب لأنها ستُعِّلم الجميع ضرورة التوقف والمحاسبة والتدقيق في كل تصرفاتنا فإن طبقَّناها فهي بلا شك ستقودنا إلى طرق النجاح والراحة النفسية. وليعلم الأبناء وطلبة العلم أن ما يدرسونه ويتعلمونه في المدارس والمعاهد والكليات الجامعية ليس هو ما يجعلهم (مبرزين) ومميزين ولكن الحقيقة التي يجب أن يدركها الأبناء هي أن ما يتذكرونه هو ما سيجعلهم حكماء ومثقفين (يبرزهم ويميزهم عند الحاجة) عن أولئك الحفظة بدون حفظ أو تخزين في العقول. دعونا نستخدم عقولنا ونغذيها ولنجعلها دوماً في يقظة حتى نقف في مقدمة الصفوف والحذر الحذر أن نتجاهل عقولنا ونمنحها إجازة طويلة تغفو فيها بل تدخلها في غيبوبة مميتة فتصدأ وبالتالي نخسر الكثير والكثير مما جمعناه ومما سنجمعه من ثروة ومما تعلمنا من علوم فتضيع الأهداف وينحرف الطريق ولا ندرك قمم الفلاح وهامات النجاح.