تواصلت فعاليات معرض “الفيصل.. شاهد وشهيد” المقام حاليا في مركز جدة الدولي للفعاليات والمنتديات حيث أقيمت على هامشه العديد من المحاضرات التي تتناول بالرصد والتحليل مواقف الملك الراحل إزاء العديد من القضايا التي شهدتها فترة حكمه، وكيف كان نهجه في التعامل معها، حيث برهن من خلال هذه المواقف براعته وقدرته العالية كرجل دولة من الطراز الأول. من هذه المحاضرات، المحاضرة التي نظمها النادي الأدبي الثقافي بجدة الذي أجمع المشاركون في ندوة عقدت ضمن أنشطة معرض “الفيصل شاهد وشهيد”، على دور الملك فيصل رحمه الله في دعم قضايا المرأة، وفتح الأبواب أمامها لتتعلم وتشارك تدريجيا في الحراك الاجتماعي، كما ركزوا على دوره في دعم الأدب والثقافة وتعزيز حضور المملكة عربيا ودوليا، مشيرين الى ان القرارات التي اتخذها رحمه الله ثبتت صوابيتها مع مرور الأيام وتحدث خلالها ثلاثة من الباحثين، تطرقوا إلى موضوعات شتى كان للملك فيصل دور مفصلي فيها هي: المرأة السعودية، الشعر الحجازي، والسياسة الخارجية في عهده وأدارها الشاعر أحمد قران الزهراني عضو نادي جدة الادبي. في البداية، تناولت الدكتورة فاطمة الياس أستاذة الأدب الانجليزي بجامعة الملك عبدالعزيز ورئيس اللجنة الثقافية بالنادي الأدبي بجدة في ورقتها التي كانت بعنوان “المرأة في عهد الملك فيصل” رؤية الملك فيصل للمرأة كأم وزوجة وأخت وابنة، قائلة: إن الملك الراحل كان ذا رؤية مستقبلية صائبة، الأمر الذي انعكس على وضع المرأة السعودية في عهده، بل ومنذ كان وليا للعهد، موضحة أن هذه الرؤية كان لها أثر كبير في تبنيه لجميع المبادرات الداعمة للمرأة، وفي تغيير النظرة التقليدية لها، ومحاورته لمن يعارضون رؤيته التحديثية للمرأة باعتبارها شريكا أساسيا في نهضة المجتمع ورفعة شأنه. تعليم المرأة وقالت د. الياس: تحفل سيرة الملك فيصل بالشواهد، والمآثر التي خلدها التاريخ على جميع الأصعدة، ومنها دوره العظيم في تعليم المرأة السعودية، الذي ترافق أيضا مع تأسيس الجمعية النسائية الخيرية في جدة، وجمعية النهضة الاجتماعية في الرياض واللتين أسهمتا في إشعال جذوة العمل النسائي في المجتمع. وتطرقت إلى ظروف افتتاح أول مدرسة نظامية للبنات، وإلى الدور الريادي لمدارس “دار الحنان”، التي أسستها الأميرة عفت الثنيان زوجة الملك فيصل، وكذلك “مدارس دار التربية الحديثة” التي أسستها زوجته الأميرة الجوهرة بنت سعود الكبير، موضحة أن هذه الريادة النسوية لزوجات الملك فيصل، ولبناته بعد ذلك، لهي أكبر دليل على عظمته، فلولا إيمانه بإمكانيات المرأة وقدراتها وبحقها في التعليم والعمل، خلافا لما كان سائدا في بعض مناطق المملكة، لما استطاعت أي من زوجتيه وضع اللبنة الأساسية لتقدم المرأة السعودية في مجتمعنا آنذاك أو أن تبنيا المؤسسات التعليمية والاجتماعية التي احتضنت طموحات المرأة السعودية وبددت مخاوفها من سطوة التقاليد المقيدة لوجود المرأة وقيامها بدورها في خدمة المجتمع، دون المساس بالثوابت الدينية والأخلاقية. واختتمت د. الياس كلمتها بالقول: إن الرؤية الاستشرافية الواعدة من قبل الملك فيصل لمستقبل المرأة، والنظرة الحكيمة لدور المرأة في المجتمع، هما اللتان أطلقتا الشرارة الأولى لنهضة الفتاة السعودية، التي صنعت حاضر المرأة في المملكة. الشعر الحجازي إلى ذلك، تحدث الدكتور عبد الرحمن بن محمد الوهابي الأستاذ المساعد بقسم اللغة العربية بجامعة الملك عبد العزيز عن الشعر الحجازي في عهد الملك فيصل، حيث أكد على أن الشعر الحجازي في عهد الملك فيصل -رحمه الله- شهد حراكا كبيرا من حيث، تنوعه وغزارته الثقافية وأثرة وتأثيره. ولفت إلى أن الملك فيصل كان يحب الشعر وينصت إلى الشعراء، وكانت له ذائقة شعرية يميز من خلالها الجيد والغث من هذا الفن العربي الذي تعد الجزيرة العربية من مواطنه الأصلية. أما الباحث الدكتور تركي بن عجلان الحارثي أستاذ التاريخ بجامعة الملك عبدالعزيز، فتناول في ورقته “السياسة الخارجية في عهد الملك فيصل: ثوابت وتحديات”، أوضح فيها أن السياسة الخارجية للمملكة في عهد الملك فيصل بنيت على عدة ثوابت وأسس تمثلت في المبادئ التي استمدت من الدين الإسلامي والتقاليد العربية الأصيلة ومعالجته -رحمه الله- الأمور بحكمة وروية بعيداً عن المزايدات والمغالطات التي عادة ما تبرز في أروقة السياسة. وتابع: إن من أهم القضايا التي لعب الملك الراحل دوراً مهما فيها دعم التضامن العربي والإسلامي في شتى المجالات، والدفاع عن القضايا العربية والإسلامية العادلة بجميع الطرق والوسائل المشروعة، وخدمة الإسلام والمسلمين في جميع أنحاء العالم ومد يد العون والرعاية للأقليات المسلمة ودعم قضاياها في المحافل الدولية، والمحافظة على الاستقرار والسلام العالميين. وأضاف: إن السياسة السعودية انطلقت على المستوى العربي من مرتكزات رئيسة هي تفعيل أواصر الأخوة العربية، وأن الأمة العربية لها تاريخها المشترك وهدفها ومصيرها الواحد. أما على المستوى الإسلامي فتركزت السياسة السعودية على توثيق عرى الصداقة مع الدول الإسلامية، وإيجاد وحدة تضامنية بينها وتقديم المساعدة للأقليات الإسلامية التي هي بحاجة إلى دعم، في حين تمثل الدور الذي لعبته السياسية السعودية في المجال الدولي في سعيها جاهدة كعضو في المنظومة العالمية في المحافظة على الأمن والاستقرار الدوليين في المجالين السياسي والاقتصادي. وشدد على أن الملك فيصل كان وراء جميع الإنجازات التي حققتها الدبلوماسية السعودية، حيث جعل من المملكة دولة لها وزنها وثقلها في السياسة الدولية، وقد أثبتت الأيام أن القرارات التي اتخذها الملك فيصل كانت صائبة وتركت آثارها الإيجابية على علاقات المملكة مع شقيقاتها من الدول العربية والإسلامية، بل والدول الصديقة، كما أثبتت مرة أخرى أن المملكة لم تتخل يوماً من الأيام عن الثوابت التي رسمت للسياسة الخارجية.