سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
أنا والدمنهوري زملاء دراسة.. والوشاة أفسدوا علاقتي بالعرابي حسن البنا: هذا مشواري مع الندوة
كثير من قيادات العمل الإعلامي من خريجي الندوة
الجيل الشاب قادر على النهوض بالجريدة شرط توفر الإمكانات
في حياة الإنسان محطات قد تشكل منعطفات تحول في مسيرته العملية سلباً وإيجاباً وتبقى الذاكرة محملة دوما بالأحداث والمواقف المتعاقبة إلى أن تحين لحظة الاستدعاء وعندها يكون الطرح بعيداً عن الانفعالات التي صاحبتها. هكذا كان احساسي عندما فاجأني الزميل علاء عبدالرحيم بالدعوة لتسجيل انطباعاتي عن فترة عملي بجريدة الندوة والتي تعتبر الأطول والأثرى في مشواري مع مهنة الصحافة منذ تخرجي من قسم الصحافة بجامعة القاهرة وكان الأول من نوعه في الجامعات المصرية قبل أن توجد كليات خاصة للإعلام. بعد التخرج التحقت بالعمل في اتحاد الإذاعة والتلفزيون إلى أن أتيحت لي فرصة العمل بجريدة عكاظ والذي استمر لأربع سنوات. والطريف أن الدكتور هاشم عبده هاشم وجهني في البداية للعمل بقسم التصحيح واذكر أنه قال لي وقتها بأن الجريدة بحاجة إلى مصحح صحفي بجانب حاجتها للمصحح اللغوي.. وبعدها انتقلت للعمل بالصفحات الفنية بعد أن اكتشف الزملاء اهتماماتي بهذا المجال، ثم عملت بالمطبخ الصحفي (الديسك المركزي) وبعدها بالصفحات الدينية ثم قسم المحليات.. ويبدو أن ذلك كان سبباً في أن يطلق علي الزملاء لقب (الجوكر). وأشهد أن العمل مع الدكتور هاشم عبده هاشم كان أشبه ما يكون بالأشغال الشاقة فالرجل كان حريصاً على متابعة كل صغيرة وكبيرة ولا يترك مجالاً لالتقاط الأنفاس وهذا يحسب للرجل باعتبار العمل الإعلامي بشكل عام والصحفي على وجه الخصوص دوامة دائمة الحركة ولا تعرف الركود أو السلحفة (حركة السلحفاء) وليس أدل على ذلك من تلك القفزات المتتالية التي حققتها عكاظ في عهده وفي نفس الوقت وإحقاقاً للحق فإن الرجل مشهود له بتقدير كل جهد متميز. بداية المشوار مع الندوة ولظروف لاداعي لتفاصيلها انتهت فترة عملي بعكاظ وبينما أنا أعد العدة للرحيل فاجأني الزميل محمد منصور وكان يعمل بالقسم الرياضي بجريدة الندوة باتصال هاتفي يدعوني من خلاله لمقابلة رئيس التحرير في ذلك الوقت الأستاذ يوسف دمنهوري رحمه الله ولم أكن قد التقيت به من قبل. وبعد تردد توكلت على الله وتوجهت إلى مكةالمكرمة والتقيت بالأستاذ يوسف وكانت المفاجأة عندما اتضح أننا كنا زملاء دراسة بقسم الصحافة في جامعة القاهرة وكان رحمه الله قد سبقني للتخرج بعام واحد فقط. وكانت تلك بداية مشواري مع جريدة الندوة والذي استمر لأربعة عشر عاماً اعتبرها الأثرى والأجمل في مسيرة حياتي المهنية وذلك لعدة أسباب: أولها مجاورة بيت الله الحرام والتمتع بالصلاة في رحابه الطاهرة وأداء مناسك العمرة والحج لأكثر من مرة.. وثانيها تلك الصحبة التي جمعتني بالزملاء من السعوديين والمصريين والسودانيين وغيرهم. والمجال هنا يضيق بذكر كل الأسماء ومعذرة إن كنت سوف أقصر الحديث على هؤلاء الذين ربطتني بهم علاقة عمل مباشرة وأولهم بعد رئيس التحرير الصديق العزيز الأستاذ فوزي خياط والذي أكن له معزة خاصة في نفسي من منطلق روحه المرحة وتواضعه الجم ونزعته للتجديد وتجاوز الأداء التقليدي ولم يكن من هؤلاء الرؤساء الذين تعزلهم المناصب عن العاملين معهم بل كان مداعباً لكل من يلقاه في طريقه ناهيك عن أسلوبه المتميز في الوجدانيات وقلمه الرياضي المتمكن. وكما كان الحال في جريدة عكاظ عملت في أكثر من قسم بجريدة الندوة واعتز كثيراً بالحوار الذي أجريته في ذلك الوقت مع الشاعر الفياض والرائد الرياضي الكبير صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله الفيصل رحمه الله وكانت المرة الأولى التي التقي فيها مع أحد أحفاد الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه وأدهشتني بساطة وأريحية سموه الكريم وعندما تطرق الحديث إلى فوز الأديب العربي الكبير الراحل نجيب محفوظ بجائزة نوبل باغتني سموه بعبارة لازلت أحفظها عن ظهر قلب حين قال: “جائزة نوبل شرفت بمنحها لنجيب محفوظ”. وكان آخر عهدي بجريدة الندوة من خلال العمل بالقسم الرياضي مع الزملاء الأعزاء أحمد بايوسف ومحمد صالح باربيق وأحمد الحربي وياسر الأحمدي وعبدالرحيم الثقفي وسعد المطرفي وأسامة البشري وغيرهم. ورغم تواضع الإمكانيات التي كانت ولا تزال الندوة تعاني منها مقارنة بما هو متاح لغيرها من الصحف المحلية، إلا أن القائمين عليها والعاملين بها كانوا يجتهدون قدر الاستطاعة لتظل محتفظة بتواجدها على الساحة، وسيظل لها مريدوها من أبناء العاصمة المقدسة والحقيقة التي يجب أن تقال إن الندوة خرجت العديد من الصحفيين الذين غزوا الصحف الأخرى ومنهم من أصبح اليوم في مواقع قيادية في مجالات العمل الإعلامي المختلفة، وكانت تزخر بالعناصر المتخصصة ذات الكفاءة العالية خاصة في القسم الفني.. واذكر من المخرجين الزملاء مصطفى البري وهو الآن مساعد رئيس تحرير مجلة أكتوبر المصرية، والفنان محمود السعدي عبقري الكاريكاتير الذي شكل مع الأستاذ المهندس محمد عبدالله كعكي رحمه الله ثنائياً يوازي ثنائية أحمد رجب ومصطفى حسين. هذا بالإضافة إلى الزملاء المحررين مجدي سرحان مدير تحرير جريدة الوفد حالياً ومحمد علي إبراهيم رئيس تحرير جريدة الجمهورية المصرية. نهاية المشوار وشهدت الندوة مرحلة انتقالية جديدة بتعيين الأستاذ الدكتور عبدالرحمن العرابي رئيساً للتحرير وأشهد أن الرجل كان كريماً معي ورفع مرتبي الذي لم تطرأ عليه أي زيادة خلال الأربعة عشر عاماً وأصر على التمسك بي عندما جاءني عرض أفضل من إحدى صحف جدة. ولكن حدثت واقعة كانت بمثابة الفصل الأخير في علاقتي بجريدة الندوة، حيث امتنع الزملاء عن العمل ذات يوم بسبب تأخر صرف الرواتب لما يقرب من سبعة أشهر ورغم أن الموقف حدث في الصباح وأنا عملي في الفترة المسائية إلا أن واحداً من أبناء الحلال ولا داعي لذكر اسمه وضع اسمي في القائمة ولم يكن الدكتور العرابي موجوداً في ذلك اليوم، وفي اليوم التالي قدم له الكشف بالأسماء فأصدر قراراً بالاستغناء عن خدمات كل المدرجين فيه وكنت واحداً منهم. ولشد ما آلمني أن تأتي صياغة القرار في الاتجاه المعاكس تماماً حيث وردت فيه عبارة (نظراً لعدم الاستفادة من خدماتكم... الخ) وعندها ابتسمت وتذكرت مقولة عادم إمام في مسرحية (مدرسة المشاغبين) بعد عشرين سنة خدمة في ثانوي ... الخ. وأراد الرزاق الأوحد سبحانه وتعالى أن يصل ما انقطع والتحقت بالعمل في إدارة العلاقات العامة بالخطوط الجوية العربية السعودية وحظيت ولا زلت والحمد لله بثقة ومحبة كل الزملاء العاملين فيها. آخر الكلام بالنسبة للجيل الجديد الذي يتحمل مسؤولية إدارة وقيادة جريدة الندوة حالياً استطيع أن أقولها بالفم المليان أن هذا الجيل قادر بإذن الله على النهوض بالجريدة إذا ما توفرت له الإمكانيات خاصة وأن معظمه من الشباب المتحمس والواعي وعلى رأسهم الأخ العزيز هشام كعكي الذي لم يسعدني الحظ بالعمل معه وقد التقيته مرتين عابرتين وقد غمرني بعبارات الثناء والتقدير وأثلج صدري عندما أخبرني بأنه كان يتابع نشاطاتي ومقالاتي في الجريدة، وأتمنى له التوفيق من كل قلبي وهو بلا مجاملة شاب طموح ومشحون بالرغبة المخلصة في العطاء ولديه من الحماس ما يؤهله لتحقيق الطموحات. ولا شك أن كل (الندواويين) قد استبشروا خيراً باستقبال صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكةالمكرمة له لبحث سبل تطوير الجريدة والارتقاء بها لتواكب مسيرة قريناتها من الصحف المحلية الأخرى ولتكون جديرة بالصدور من أقدس بقاع الأرض. وكم أسعدني نبأ تعيين الزميل والصديق العزيز الدكتور سامي المهنا نائباً لرئيس التحرير وهي خطوة على الطريق الصحيح خاصة وأن الزميل المهنا من الصحفيين أصحاب الخبرة وله باع طويل في بلاط صاحبة الجلالة.. ويطيب لي أن أقدم له التهنئة بهذه المناسبة مع أطيب التمنيات بالتوفيق والنجاح لكل العاملين بالندوة العزيزة.